تواريخ صنعتها نساء عربيّات!

لم تحظَ المرأة بإنصافٍ حقيقي عبر التاريخ، فقد عاشت لقرونٍ طويلة في ظلّ الرجل وعلى هامشِ الحياة بعدما تمّ اختصار وجودها في أن تكونَ الملهمة والداعمة للرجل الذي اعتبِر محور الكون، عايشت المرأة عصوراً تُعامَل فيها ككائن ضعيف وعاجزٍ عن إنجاز ما يحقّقه الجنس الآخر، ومع ذلك، لم ينتصر أحد للمرأة بقدر ما انتصرت لنفسها، فانتزعت حقوقها بنضال مستمرّ، وأثبتت جدارتها في مختلف المجالات، سواء أكانت سياسية أم فنية أو علمية أو اجتماعية.
خاضت المرأة مسيرة طويلة من الكفاح للمطالبة بالمساواة، والاعتراف بمكانتها، وضمان حقها في التقدير والحصول على أجور عادلة، وجاء اليوم العالمي للمرأة ليكون تتويجًا لهذه المسيرة النضالية، إذ يعود أوّل احتفالٍ فيه إلى عام 1909 في نيويورك بناءً على اقتراح الناشطة "تيريزا مالكيل"، وتخليدًا لذكرى احتجاج العاملات في مصانع الملابس عام 1857، ولم يصبح الثامن من مارس يومًا رسميًا للاحتفال بالمرأة إلّا في عام 1977، حين أقرّت جمعية الأمم المتحدة هذا التاريخ مناسبة دولية.
في هذا المقال سنأخذكم في جولة عبر أبرز التواريخ التي صنعتها نساء عربيات، تركت تأثيرًا لا ينسى في مجتمعاتهنّ المحافظة.
1899: ليلى فوّاز تكتبُ أوّل رواية عربية: "غادة الزاهرة أو حسن العواقب"
عند البحث في تاريخ الرواية العربية، غالبًا ما يُشارُ إلى رواية "زينب" لمحمد حسنين هيكل، باعتبارها الرواية الأولى في العالم العربي، غير أنّ الاجتهاد في البحث يكشف عن حقيقة السبق الأدبي الذي حقّقته الأديبة اللبنانية: "زينب فواز" التي نشرت روايتها "غادة الزاهرة أو حسن العواقب" عام 1899 أي قبل صدور رواية "زينب" عام 1913، وقد وضعت فواز اسمها الحقيقي على الغلاف في حين نشر هيكل روايته في البداية باسم مستعار، تميّزت ليلى فواز كأديبة ومفكّرة ومناضلة، سخّرت كتاباتها للدفاع عن قضايا المرأة والمجتمع، وأسهمت بفكرها التقدّمي في إثراء الأدب العربي والمشهد الثقافي.
1933: لطفية النادي أوّل امرأة عربية تقود طائرة
في عام 1933، وفي عمر السادسة والعشرين، حصلت لطفية النادي على إجازة الطيران، لتصبح بذلك أوّل امرأة مصرية، أفريقية وعربية تحلّق في السماء وثاني امرأة في العالم تحقّق هذا الإنجاز، وفي فيلمٍ وثائقي عندما سئلت عن السبب الحقيقي لرغبتها في الطيران، عبّرت بأنّ شغفها بالتحليق يجسّد رغبتها بأن تكون حرة، لتحقّق حلم الطفولة سرّاً، بتشجيعٍ من والدتها على الرغم من معارضةِ والدها الشديدة الذي اكتشفَ لاحقًا إنجازها وهو يرى صورها في الصحف، لكنّه رغم غضبه وقلقه، لم يستطع الوقوف في وجه نجاح ابنتهِ، بل احتضنها وشعر بالفخر عندما اصطحبته في رحلةٍ بالطائرة وحلّقت بهِ فوقَ أهراماتِ القاهرة.
1947: نازك الملائكة رائدة الشعر الحرّ في الأدب العربيّ
في شهر تشرين الأوّل من عام 1947، نشرت الشاعرة العراقية نازك الملائكة قصيدتها "الكوليرا"، إذ كانت من أوائل القصائد التي تعلن عن ميلاد تيّارٍ جديد يتمثّل في الشعر الحرّ، المتحرّر من الأوزان التقليدية، وقد سبقت بدر شاكر السياب بشهرين فقط. حصلت نازك الملائكة على شهادة الماجيستير في الأدب المقارن من جامعة "ويسكونسون ماديسون" في الولايات المتحدة، حيث تعرّفت على التحوّلات الشعرية في الأدب الإنكليزي والأميركي، ما ألهمها جرأة التجريب والانفتاح، فساهمت في المشهد الشعري العربي عبر دواوين عدّة أهمّها: "عاشقة الليل، شظايا ورماد، يغيّر ألوانه البحر، مأساة الحياة وأغنية الإنسان".
1982: نوال السعداوي تؤسّس جمعيّة "تضامن المرأة العربيّة"
في عام 1982، أسّست نوال السعداوي جمعيةَ تضامن المرأة العربية، تحت شعار: "التضامن بين النساءِ قوّة" اهتماماً منها بقضايا المرأة ووقوفًا في وجهِ اضطهاد المجتمع الأبوي. نوال السعداوي التي كانت طبيبةً وكاتبة، عُرِفت بجرأتِها وتمرّدها وقوّتها، واستعدادها للتضحية بحريتها في السجون، وبمنصبها في وزارةِ الصحة مقابل أن يصلَ صوتها وتقول كلمة حقّ، نشرت عام 1972 كتاباً جريئاً، أثار جدلاً كبيراً عنوانه: "المرأة والجنس"، كان كتابًا تثقيفيًا فريدًا من نوعه، جمع بين خبرتِها في الطبّ وموهبتها في الأدب، ناقشت فيه قضايا حسّاسة مثل ختان البنات، العذرية، والعلاقة بين الجنسين. حصدت نوال السعداوي جوائز عالمية مرموقة كجائزة الشمال والجنوب، من المجلس الأوروبي عام 2004، وجائزة إينانا من بلجيكا عام 2005، واستمرّت في نضالها، تاركةً إرثًا فكريًا يضمّ أكثر من خمسين كتابًا، بين الرواية، والقصة، والسيرة الذاتية.
2005: مريم شديد أوّل عربية تصل إلى القطب الجنوبيّ المتجمّد
ليست المغربية مريم شديد مجرّد عالمة فلك وفيزياء، بل هي نابغة تحملُ روح المغامرةِ والاكتشاف، امرأة تتحدّى الممكن لتحقيق المستحيل، فكانت من أوائل العلماء الدوليين الذين تمّ اختيارهم للسفر إلى صحراء أتاكاما في تشيلي، حيث ساهمت في تشييد واحد من أكبر التيليسكوبات في العالم، وفي عام 2005 سجّلت اسمها في التاريخ كأوّل امرأة عربية وأفريقية تصل إلى القارة الجنوبية حيث غرست علم بلادها على جليدها الأبيض، ولم يتوقّف طموحها عند هذا الحدّ، فهي تستعدّ اليوم لمغامرة تتجاوز الأرض إلى رحلةٍ استكشافية لكوكبِ المريخ.
2024: العالمة الجزائرية ياسمين بلقايد تفوز بجائزة نوابغ العرب
ولدت العالمة الجزائرية ياسمين بلقايد في مدينةِ تلمسان، حيث تلّقت تعليمها في جامعة هواري بومدين بالجزائر، حيث تحصّلت على شهادة الماجيستير في الكيمياء الحيوية، وتخصّصت بعد ذلك في أبحاث المناعة والأمراض المعدية، ما أهّلها للفوز بجوائز عدّة مرموقة أبرزها جائزة "نوابغ العرب" عام 2024، وقد أشاد بها الشيخ محمد بن راشد بن مكتوم، تقديرًا لإسهاماتها العلمية، بـ220 بحث علميّ. تشغل بلقايد حاليًا منصب مديرة معهد باستور الفرنسي لمدّة ست سنوات، لتصبح بذلك أوّل امرأة تتولّى هذا المنصب في فرنسا، عالمة بتكوين جزائري ما يضيفُ إلى إنجازها بعدًا آخر من الفخر والتمّيز.