تعيش المرأة الفلسطينية في غزة ظروفا نفسية واجتماعية قاهرة كنتيجة لتبعات العدوان الإسرائيلي الذي شهده القطاع منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والذي فرض على المرأة تحديات جديدة لم تكن بالحسبان.
وأسفر العدوان عن استشهاد آلاف النساء، وإجبار أخريات على النزوح قسرا من منازلهن والعيش بالخيام، وحرمانهن من أبسط مقومات الحياة الإنسانية، مثل مسكن وغذاء، ورعاية صحية.
وتواجه النساء الغزيات في الخيام أوضاعا قاسية، خاصة بعد فقدان العديد منهن لمعيل أسرهن، من زوج أو ابن، ما جعلها تتحمل عبء المسؤولية.
المواطنة سعدية أحمد (45 عاما) نزحت من مخيم جباليا شمال القطاع، نحو خيمة في شارع الوحدة بمدينة غزة حيث تصف وضعها بالقول إن “العيش في الخيمة كارثة، فالحياة هنا قاسية، ولا يوجد خصوصية ولا حرية شخصية، وقساوة العيش سببت لي أمراضا منها الغضاريف في ظهري”.
تضطر سعدية وأطفالها لقضاء حاجتهم في دلو بلاستيكي، وتنظيف أواني الطعام بمياه تقوم بحملها من مسافة أكثر من نصف كيلو متر، تقول إن هذه الحياة قاسية ولا تحتمل.
تضيف “أطهو الطعام لأطفالي على الحطب، واضطر لتحمل الدخان المتصاعد منه والذي يلتصق بيدي بعد محاولة تنظيف الأواني من بقايا هذه النيران التي أحيانا تحرق جسدي وملابسي.
أما المواطنة سميرة صبري (53 عاماً) فمعاناتها ذات إطار مختلف، فهي أم لأربعة أطفال، استشهد زوجها في العدوان تاركاً لها مسؤوليات تربيتهم.
تقول “استشهد زوجي قبل ثمانية أشهر وترك لي مسؤولية إعالة أطفالي الصغار، الجوع والفقر أثقل كاهلي ولا أعلم ما الحل، أعيش على ما تقدمه لنا تكيات الطعام التي يذهب إليها أطفالي الصغار فأنا بلا معيل وأطفالي صغار لا يستطيعون العمل، لا أنام من كثرة التفكير، فأنا أعيش وأطفالي على الخبز فقط، لا مياه متوفرة، ولا إضاءة، ننام في الظلام، كما أن هناك انعدام للنظافة”.
تعيش العروس ربا (22 عاما) مأساة من نوع آخر فقد تزوجت قبل شهرين في خيمة في شارع المخابرات شمال القطاع، بعد نزوحها مع أهل زوجها من مدينة بيت حانون، وتعيش هي الأخرى كامرأة تحديات لا تليق بها كعروس جديد.
تقول “تزوجت في خيمة مع أهل زوجي، ولا أشعر بالراحة وسط انعدام المقومات والخصوصية، ومضطرة لأن أبقى مرتدية ثوب الصلاة طيلة الوقت”.
تضيف: “ما ذنبي أن أعيش أجمل أيام حياتي دون خصوصية؟ وتتساءل “لا أدرى إن كنت أقوى على هذه الحياة فيما بعد؟”.
تعلق الأخصائية النفسية والاجتماعية نيبال حلس على الأمر بقولها: “فرضت الحرب ظروفاً صعبة على المرأة في غزة، ورغم أن المرأة الغزية معروفة بقوتها وتحديها للظروف إلا أن هذه الظروف صنعت امرأة متعبة نفسيا وغير قادرة على تحمل المزيد من الصعاب”.
وتضيف “فقدت المرأة في هذه الحرب أنوثتها وخصوصيتها ومعيلها، الأمر الذي أثر وبشكل سلبي على نفسيتها في ظل المجازر، والفقر والجوع”.
وتؤكد: “على العالم أن يتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذ من حقوق المرأة الفلسطينية في الوقت الذي ينادي فيه العالم بالحرية وحقوق الإنسان”.
وتشير تقارير رسمية إلى أنه خلال حرب الإبادة على غزة، استشهد 12,316 امرأة، فيما قتل أزواج 13,901 امرأة أخرى وأصبحن يعلن أولادهن في ظل الظروف المأساوية الصعبة.
وتوضح التقارير أن 17 ألف أم فقدت ابن واحد على الأقل، فيما أنجبت 50,000 امرأة حامل في ظروف غير إنسانية.
وتبين التقارير أن 162,000 امرأة أصبن بأمراض معدية خلال الحرب، إثر منع الاحتلال إدخال العلاج والدواء للقطاع، واستهدافه للمستشفيات والمراكز الصحية.
وتضيف التقارير أن 2000 امرأة وفتاة ستلازمهن الإعاقة جراء بتر طرف أو أكثر، وهن بحاجة لرعاية خاصة والعمل على تركيب أطراف صناعية.
وتشير إلى أن عشرات النساء والفتيات تم اعتقالهن وتعرضن للتعذيب داخل المعتقلات، خلال تلك الفترة، ولا تزال قوات الاحتلال تعتقل عدد منهن في ظروف غير إنسانية.
تعيش نساء غزة ظروفا كارثية، يعانين من الموت البطيء جراء التجويع والتعطيش وانعدام الرعاية الصحية، في ظل الحرب وبعدها وازدادت مع الحصار المطبق.