كارلا علي أبوشقرا
الصف الثامن الأساسي
شوف ناشيونال كولدج-بعقلين الشوف
هناك، على صفحة السنوات، فوق ضجيج الساعات والدقائق الهاربة من رزنامة العمر، لمحتها.
لمحتها، كانت تركض لتختبئ مثل مجنون سرق لوحة لا يعرف قيمتها.
كانت تحاول الاختباء خلف المباني، خلف الأشجار، خلف كل الزوايا، مخلفة وراءها ذكريات وصوراً... وبعض الحنين.
لقد رأيتها تهرب. وها هو أحدها يهرب اليوم. وسيهرب رفيقه في الغد، وبعد الغد... وحتى اللانهاية
إنها الأيام. يا أيتها الآتية من المجهول، إلى ماضٍ حتمي. أو أنه سيصبح ماضياً لا محال.
سألت كل واحدٍ منها، لماذا أتى؟ ماذا يريد؟
رد أحدها بضحكة ساخرةٍ لم أعرف معناها، علمت بعدها أنه أحد الأيام الحزينة. لكن، لماذا يضحك بسخرية؟ علمت بعدها أن الحزن مجرد لقاحٍ موجعٍ يزيد المناعة والصلابة والقوة في الحياة.
وسألت آخر، وكان يوم نجاح، لذلك لم يجبني، بل قال: إذا أجبتكِ ستكتفين بالاحتفال، لذلك عليكِ أن تجدّي حتى تريني من جديد.
لحقت بيوم أفرحني، تمسكت به كي لا يرحل، لكنه أبى البقاء. وقال: لو بقيتُ لجلبتُ لكِ المَلل، لذلك اتركيني، على أمل اللقاء من جديد.
وسألت من يحمل على قبعته الثلج، ومن يرفع الشمس راية حارقة، ومن يلتحف العواصف، ومن ردائه الغيوم، كلها أجمعت على أنها ألوان الحياة المختلفة، ولولاها لما كانت الطبيعة كما هي.
صادفتها كلها، وسألتها عن سبب وجودها، كانت تتهرب من هذا السؤال.
بقي يوم واحدٌ لم أعد ألمحه من جديد، حتى في أعماق ذكرياتي. هو يوم ميلادي. وهو الوحيد القادر على الإجابة، فهو وحده لديه سر وجودي ها هنا، وسط هذه الأسرة بالتحديد. هو هُوِيتي، هو سببي، هو... كأنه أنا
لو أنني صادفته، لسألته عن أول قبلة وضعتها على خدي أمي الغالية، عن أول غمرة من أبي الرائع، عن أول انتماء لي إلى العالم الجديد.
لكنت سألته عن كل شيء، لأن وحده يعرف من أنا.
وباقي الأيام، مجرد مشاهد من مسرحية واقعية، نحن نلعبها وهي تلعب بنا، نجعلها كما نشاء، لكنها تترك أثرها في نفوسنا.