مع التدفق المستمر للأخبار السلبية لا سيما في الأزمات والأوقات العصيبة، من السهل أن تشعر بالقلق والتوتر والاكتئاب والإحباط. ولكن، لا تُهمِل صحتك النفسية لأنها تحتاج إليك، خصوصاً في مثل هذه الظروف.
مع التدفق المستمر للأخبار السلبية لا سيما في الأزمات والأوقات العصيبة، من السهل أن تشعر بالقلق والتوتر والاكتئاب والإحباط. ولكن، لا تُهمِل صحتك النفسية لأنها تحتاج إليك، خصوصاً في مثل هذه الظروف.
من الطبيعي أن تشعر بالخوف وانعدام اليقين وفقدان السيطرة على حياتك والخشية على سلامتك أنت ومَن حولك. ويتفاقم الأمر إن كنت ممن عاشوا تجارب مماثلة، لأن متابعة الأخبار ستثير ذكرياتك الأليمة.
هل يضرّ الإكثار من متابعة الأخبار خلال الأزمات؟
الأب الدكتور إيلي رحمة - متخصّص في علم النفس العيادي، معالج نفسي وأستاذ جامعي
لا ينبغي الانقطاع عن متابعة مستجدات الحوادث، لكن بتقطُّع مع أخذها من مصادر موثوقة وموضوعية. ولا ملاحقة كل الأخبار دقيقة بدقيقة، فسيجعلك ذلك مقصّراً في واجباتك الحياتية الأخرى.
ويجب الركون إلى لغة العقل وعدم الانجراف مع المشاعر التي قد يكون بعضها قديماً ومدفوناً تحت ذكريات أليمة مثل حروب سابقة، ولم تتخطّها حتى اليوم. ومع التقييم الموضوعي العقلي للحوادث الآنية والمستقبلية، يبقى القلق في إطار الحدّ الطبيعي وليس المفرط. وتذكر أن القلق لديك قد يبلغ أضعاف ما لدى الأفراد الذين عاشوا في دول لم تشهد مثل هذه الحروب.
في ظروف الأزمات، قد يحتار الفرد بشأن مستقبل لم يعد واضحاً، وربما يكبت مشاعر سلبية لديه، ولا يعبّر عنها. وبالتالي، من الضروري التعبير عن تلك المشاعر وتفريغها لدى أشخاص قادرين على امتصاصها لا مفاقمتها. ومن يعيش في بيئة تقدر على احتضانه، تخفت مشاعر القلق عنده.
ومع تدفق الأخبار السلبية في الأزمات، يرتفع التوتر داخل الأسرة. وقد تصدر عن بعض الأفراد سلوكيات عدائية بسبب فقدانهم السيطرة على مشاعرهم الدفينة التي قد تعبِّر عن نفسها عبر الصراخ وربما الأذى الجسدي أو أكثر.
الأطفال وأخبار الأزمات والحروب
استطراداً، من الضروري أن يحمي الأهالي أطفالهم من الأخبار السلبية عبر دعمهم باستمرار وشرح الواقع بشكل يناسب أعمارهم، وأن يكونوا هم مصدر الأخبار لهم، وليس الهواتف الذكية أو التلفاز. إن تعرّض الأطفال لمشاهد الأزمات والحروب يولّد لديهم القلق، لأنهم غير مجهزين لها. ولا بدّ للأهالي من أن يراقبوا هواتف أطفالهم وينظموا استخدامها، ويحاولوا تصويب البوصلة لدى أولادهم حينما تصلهم معلومة "مؤذية" من أقرانهم.
قلّل من الأخبار وواظب على روتينك اليومي قدر المستطاع!
نادين عز الدين- مدرّبة حياة
لا بدّ من تقليل أو تنظيم التعرّض للأخبار، مع إلغائه عند الاستيقاظ وقبل النوم، كي لا يبدأ الشخص يومه بحالة مزاجية سيئة، ولا ينام بدماغ مملؤ بصور سلبية. ويجب استكمال ذلك بتقنين استخدام منصات التواصل الاجتماعي التي قد تزخر بالأخبار الزائفة والمفبركة والتضليلية أحياناً.
لذا، على المرء أن يسعى إلى تفريغ شحناته السلبية بالتمارين الرياضية وممارسة أي نشاط أو هواية قد تجلب له السعادة. ولنتذكر أن الكلام طريقة للتفريغ النفسي. ويحصل ذلك عبر التحدث مع العائلة أو الأصدقاء أو حتى باستشارة متخصص نفسي.
في الأوقات الصعبة، قد تُفرَّغ الشحنات السلبية عبر الأكل الذي يتحول إلى طريقة غير صحية للراحة النفسية. إذاً، يجب الحفاظ على نظام غذائي صحي. ويمكن الاستعانة أيضاً بالمشروبات المهدِّئة مثل اليانسون والبابونج.
إلى جانب ذلك، فإنّ التواجد مع العائلة والتحدّث عن موضوعات مختلفة تتعلق بالوضع الراهن، والابتعاد عن الأخبار السلبية التي تزيد التوتر.
ويُعتبر الاسترخاء ممارسة مطلوبة، وكذلك الحال بالنسبة إلى التأمل واليقظة الذهنية والتركيز على اللحظة الحالية والحال الذاتية للفرد.
ومن الضروري التحلّي بالمرونة النفسية. وفي العادة، توّلد الأزمات شعوراً بالعجز وعدم القدرة على التصرف والشعور بالمجهول. لذلك، لا بدّ من التركيز والشعور بالامتنان بشأن بعض الأمور الإيجابية، كأنّ يفكر الفرد أنه لا يزال حيّاً ويأكل ويشرب ويعمل وينعم بأمور كثيرة.
أيضاً، من المهم أن يشاهد الفرد التلفاز بتقطع. ويذهب للمشي قليلاً في الهواء الطلق أو يقرأ كتاباً ما أو يشاهد مسلسلاً أو فيلماً، أو يشرب فنجان قهوة بمفرده أو مع من يثق به، أو ممارسة نشاط اجتماعي إنساني يعطيه شعوراً بالرضا والسعادة.
ماذا تفعل إذا كنت محبطاً ولا تشعر بالتحفيز لأي نشاط في هذه الظروف؟
يستطيع كل شخص التحكُّم بمسار يومه وأفكاره التي هي مصدر المشاعر، ما يعني ضرورة تحكّم الفرد بذهنه وجسمه، وليس العكس.
ليس مستغرباً أن يصل البعض إلى حالة الإحباط والخمول وعدم الرغبة بأي شيء سوى التسمُّر أمام التلفاز. يجب تحدّي ذلك، حتى بأشياء بسيطة مثل ممارسة الرياضة وإن لوقت قصير، لأنها تنشِّط الجسم وتحسِّن حال الذهن.
وبعد الخطوة الأولى مهما كانت بسيطة، تكرّ السبحة وتتوالى الخطوات. وفي الأزمات، من المهم أن يحافظ المرء على روتين حياته المعتاد قدر الإمكان، خصوصاً الأشياء التي يعرف المرء أنّها تريحه. ربما لا يكون القرار سهلاً، لكن إنجاز خطوة واحدة يومياً يضع المرء على المسار الصحيح للمحافظة على صحته الذهنية والنفسية.
ويجب المواظبة أيضاً على الصلاة والدعاء، لأنها ممارسات روحيه تريح الشخص بشكل كبير،، وتعطي المرء إحساساً بالخشوع والاتصال المباشر مع الله والهدوء والصفاء الذهني.
في الأزمات، التفاؤل كفيل بتقليل القلق
تنمية التفاؤل يمكن أن تساعد في تعزيز دفاعات الدماغ ضدّ الأخبار السلبية، وفق ما خلُصت إليه دراسة بعنوان "حماية الدماغ ضدّ الأخبار السيئة" Protecting the brain against bad news. ورأت أنّنا نميل غريزياً إلى توقّع الخطر، وقد تؤدي متابعة الأخبار السلبية إلى تعزيز ذلك التوجّس. وتثير العناوين السلبية مشاعر الخوف والحزن والغضب، ما قد يوقع الناس في دائرة مُغلقة من "نمط المراقبة المتكررة"، بمعنى أن ترقّب الخطر يزيد مراقبتنا للأخبار السلبية التي تزيد التوجس وهكذا دواليك.
ويربط بعض علماء النفس بين استهلاكنا للأخبار السلبية وزيادة شعورنا بالقلق والاكتئاب، ويسهم ذلك في إجهادنا نفسيّاً ويزيد المخاوف الشخصية ويدخلنا في حالة من الاضطراب الداخلي.
ووفق تلك الدراسة نفسها، ثمة جزء من الدماغ يعمل على تصفية الأخبار السلبية مع كل معلومة جديدة، وهذا التحيّز المتفائل هو السبب وراء ميل الناس إلى افتراض أنهم سيعيشون لفترة أطول ويعانون من حوادث أقل من أقرانهم. ويعطي ذلك فوائد كثيرة للنفس والعقل والجسد، ويزيد القدرة على التقييم غير السلبي للمخاطر ودرجة تحمّلها بمرونة أيضاً. ويُفضي ذلك إلى إحساس بالثقة. وكذلك تبيّن الإحصاءات أن من لا يؤمنون بنظريات المؤامرة شعروا بخوف أقل ممن أخذوا بها أثناء أزمة المعلومات المضللة التي رافقت جائحة كورونا.
والاستعانة بعلم النفس الإيجابي، مثل تدوين الامتنان وتخيّل "أفضل مستقبل"، تزيد من التفاؤل، وتهدف إلى تدريب الدماغ على الاهتمام بالتجارب الإيجابية بحيث "تترك علامة أعمق على نفسيتنا وأجسادنا" بمرور الوقت.