البحث عن جزر كوك، كالبحث عن إبرة في كومة من القش، وبفضل خرائط "غوغل" يمكن إيجاد هذه المنطقة النائية في المحيط الهادئ والتي لا تزيد مساحتها عن 250 كلم2 وعدد سكانها لا يصل إلى 25 ألف شخص.
الأسباب الموجبة لهذا السرد القصير، هو أن هذه الجزر باتت موضع نزاع دولي بين أقطاب دول العالم المتنافسة، مثل الصين والولايات المتحدة وحلفائها في نيوزيلندا وأستراليا.
قبل أيام أعرب وزير الخارجية النيوزيلندي عن "قلقه البالغ" لاستعداد جزر كوك للتوقيع على اتفاق تعاون مع الصين. إذ من المقرر أن يجري رئيس وزرائها مارك براون زيارة دولة إلى بكين حيث سيوقع على "خطة تحرك مشتركة" من أجل "شراكة إستراتيجية شاملة" مع الصين.
تاريخياً كانت جزر كوك تابعة لنيوزيلندا منذ عام 1901، وفي عام 1965 باتت تتمتع بالحكم الذاتي و"الارتباط الحر"، على أن تتولى نيوزيلندا مسؤولية الدفاع والأمن، أمّا الشؤون الخارجية فهي حصراً ملك كوك.
واعتبرت نيوزيلندا على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية ونستون بيترز، أن ما يثير الاستياء هو "إخفاء الأمر" عنها، مشيراً إلى أن "الاطلاع على الاتفاق المقترح من شأنه أن يسمح لنيوزيلندا التحقق من أنه لا يمثل خطراً على المصلحة الوطنية.
في المقابل، دافع براون عن الزيارة، مشيراً إلى أن هدفها "توسيع الفرص الاقتصادية" مع ضمان بقاء سيادة بلاده ومصالحها الوطنية في المقدمة.
وتأتي الزيارة في وقت حساس بالنسبة الى الصين، إذ تسعى الى توسيع نفوذها الديبلوماسي والاقتصادي والعسكري في منطقة الهادئ، متحدية التأثير التاريخي الإقليمي للولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا.
ومن جهة ثانية، أقامت جزر كوك منذ عام 1997 علاقات رسمية مع تايوان، وبالتالي تحاول الصين استقطاب هذه الدولة الصغيرة من خلال ربطها بالبر الصيني بمصالح اقتصادية وتنموية، في ظل الصراع المحتدم مع تايبيه.
في حين تسعى جزر كوك إلى تحقيق التنمية المستدامة من خلال الموازنة بين العروض التنموية التي تقدمها الصين وتلك التي يقدمها شركاء تقليديون مثل نيوزيلندا وأستراليا.
هاجس يمتد على مليوني كلم2
لكن هناك مسألة أخرى مهمة جداً على صعيد الصراع الجيوسياسي بين واشنطن وبكين، ففي أيلول/سبتمبر عام 2023 أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، اعتراف بلاده رسمياً بجزر كوك ونييوي في المحيط الهادي. وعاد بالعلاقات الثنائية مع جزر كوك إلى زمن الحرب العالمية الثانية عندما بنى الجيش الأميركي مدارج الطائرات على إحدى الجزر التابعة لسلسلة الجزر المرجانية.
الأهمية الاستراتيجية لجزر كوك أنها تتألف فعلياً من 15 جزيرة مرجانية صغيرة، لكنها تتنشر جغرافياً على مساحة مليوني كيلومتر مربع في المحيط الهادئ وتحيط بأستراليا ونيوزيلندا، وهذا ما يثير قلق هاتين الدولتين من دخول النفوذ الصيني إلى هذه الجزر.
وهذا بدوره لا ينفصل عن الهاجس الأميركي من تعاظم النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادئ، ولهذه الغاية شهدت واشنطن عام 2023 عقد قمة مع "منتدى جزر المحيط الهادئ" الذي يضم 18 بلداً. وفي آب/أغسطس 2024 عقد لقاء موسع لقادة "المنتدى" خرجوا بعده ببيان ختامي يؤكد أن جزر المحيط الهادئ هي "منطقة تعاون ودعم وعمل مشترك، وليست منطقة تنافس". ورفض البيان دعوات بكين إلى قطع العلاقات مع تايوان.
وفي ذاك الوقت، أعلنت أستراليا أن مندوبي الدول والمناطق المشاركة في منتدى جزر المحيط الهادي توصلوا الى اتفاق أمني مشترك، في مبادرة تسعى الى الحد من الدور الصيني في منطقتهم، وأنها أطلقت "مبادرة شرطة المحيط الهادي" التي ستعمل على تعزيز قدرة هذه الدول على تلبية متطلبات الشرطة والأمن الداخلي، ودعم بعضها البعض في أوقات الحاجة.
غير أن كل هذا لم يمنع بعض هذه الدول من تعزيز علاقتها بالصين، بعد أن وجدت أن الدول الراعية مثل أستراليا ونيوزيلندا ومن خلفهما بريطانيا والولايات المتحدة، لم تعطها ما تريده خصوصاً في الشقّ الاقتصادي، مثل جزيرة كيريباتي وهي من أقل البلدان سكاناً، لكنها تتمتع بواحدة من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة في العالم. وأهميتها الاستراتيجية أنها قريبة من هاواي والقواعد العسكرية الأميركية في غوام. ولديها ما يزيد عن 10 اتفاقات مع الصين، حتى أن مسؤولين أمنيين في منطقة المحيط الهادئ، من أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، أعربوا عن قلقهم إزاء وجود ضباط صينيين بزيهم العسكري الرسمي في كيريباتي وجزر سليمان. وهذا ما يعزز القلق من الاتفاقات التي قد توقعها جزر كوك مع الصين.