شددت سلطات الاحتلال من قيودها اعتبرتها "اعتيادية" على أداء الصلاة في المسجد الأقصى المبارك بالقدس، خلال رمضان الفضيل، الذي يرجّح أن يبدأ غدا السبت.
وأعلنت حكومة الاحتلال، أنّ أداء الصلاة في المسجد الأقصى بالقدس خلال شهر رمضان سيخضع لقيود أمنية "اعتيادية".
وخلال شهر الصوم لدى المسلمين يتوافد مئات آلاف الفلسطينيين لأداء الصلاة في الحرم القدسي، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولا سيّما صلاة الجمعة.
وخلال مؤتمر صحافي، أمس الخميس، قال المتحدّث باسم الحكومة الإسرائيلية، ديفيد منسر، ردّا على سؤال بشأن الإجراءات التي ستفرضها إسرائيل في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان الذي يرجّح أن يبدأ غدا السبت إنّ "القيود الاعتيادية للسلامة العامة ستطبّق كما يحصل كلّ عام".
من جهته، حذّر خبير مقدسي من أن نقل الاحتلال الإسرائيلي معركته إلى داخل المسجد الأقصى دون مقاومة شعبية سيدفعه إلى اتخاذ خطوات أوسع لتغيير الوضع القائم في المسجد المبارك، مؤكدًا أهمية تحرك الشارع الفلسطيني لإفشال مخططات الاحتلال ضد الأقصى ومدينة القدس وعموم الضفة الغربية.
وقال الدكتور عبد الله معروف، أستاذ دراسات بيت المقدس في جامعة 29 مايو بإسطنبول، إن تكثيف الاحتلال الإسرائيلي قيوده وإجراءاته القمعية على القدس والمقدسيين، خاصة ضد المصلين الوافدين إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة خلال شهر رمضان المبارك، يشكل خطرًا بالغًا.
وذكر معروف، في مقابلة مع صحيفة "فلسطين"، أن هذه القيود المكثفة تعني أن الاحتلال قرر نقل المعركة إلى داخل المسجد الأقصى، وإجبار المقدسيين والفلسطينيين على القبول بأمر واقع يفرضه الاحتلال بصمت.
وحذّر من أن تنفيذ هذا المخطط دون مقاومة شعبية قد يدفع الاحتلال إلى التمادي واتخاذ خطوات أكثر خطورة، بما في ذلك تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك وإقامة كنيس داخله، استجابة لمطالب اليمين المتطرف في دولة الاحتلال.
ودعا الخبير المقدسي الفلسطينيين إلى التصدي بحزم لقرارات الاحتلال التي تستهدف تهويد الأقصى والقدس والسيطرة على الضفة الغربية، مشددًا على ضرورة مقاومتها بكافة السبل الممكنة.
كما ربط معروف بين المشاكل التي يعاني منها المقدسيون والمحاولات المستمرة لتهويد المدينة المقدسة والمسجد الأقصى.
تشريعات خطيرة
وفيما يتعلق بالمخاطر المحدقة بالضفة الغربية المحتلة جراء سياسات الاحتلال، أشار الخبير الفلسطيني إلى أن العديد من التشريعات الأخيرة الصادرة عن الكنيست تُعد في غاية الخطورة على القضية الفلسطينية.
وأوضح أن من أخطر هذه التشريعات مؤخرًا إلغاء القانون الأردني رقم 40 لعام 1953، الذي يحظر بيع الأراضي لغير الأردنيين والعرب، بالإضافة إلى تشريع جديد يسمح بنقل ملكية الأراضي في الضفة الغربية إلى المستوطنين دون الحاجة إلى موافقة جيش الاحتلال.
وتابع معروف: "هذا التشريع يعني بالضرورة أن الاحتلال لم يعد يعتبر أراضي الضفة الغربية أراضيَ محتلة، بل بات ينظر إليها على أنها خاضعة لما يُسمى 'الحكم المدني' الإسرائيلي، وهو ما يشكّل تشريعًا فعليًا لضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال أمام القانون الدولي".
وبيّن أن هذا التشريع جاء في سياق محاولات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لاستمالة اليمين المتطرف، بهدف الحفاظ على منصبه في رئاسة الحكومة، خاصة أن بتسلئيل سموتريتش، أحد قادة اليمين المتطرف، يعتبر ملف الضفة الغربية من صلاحياته الخاصة.
وأضاف: "يحاول نتنياهو، من خلال هذا التشريع، الحفاظ على حكومته أطول مدة ممكنة، خشية التعرض للمحاكمة في قضايا الفساد التي تلاحقه، والتي قد تؤدي إلى عزله وسجنه".
وأشار إلى أن هذا التشريع يرتبط مباشرة بمساعي الاحتلال لإعلان سيادته على القدس وضم أراضيها – دون سكانها – وهو إجراء يشبه في نتائجه عمليات الضم السابقة، لكنه في الواقع يمثّل تمهيدًا أساسيًا لضم الضفة الغربية.
وقال معروف: "يحاول الاحتلال، من خلال تكثيف تشريعاته، تقديم نفسه أمام العالم كدولة قانون، مما يتيح له تبرير إجراءاته القمعية وشرعنتها أمام القانون الدولي".
وطالب الخبير المقدسي بضرورة مواجهة هذه التشريعات على الأرض، مؤكدًا أن من يصنع الحقائق على الأرض اليوم هو من سينتصر في هذه المعركة، وليس فقط من يحاول الاعتماد على المحاكم وأروقة الأمم المتحدة.
وأكد قدرة الشعب الفلسطيني على إفشال هذه المخططات عبر الحضور الشعبي والمقاومة الشعبية المباشرة.
وعبّر معروف عن أسفه إزاء المواقف العربية والإسلامية الرسمية، معتبرًا أنها "دون المستوى". كما ذكّر الأنظمة العربية بأن التهديد لا يقتصر على الفلسطينيين وحدهم، بل يمتد ليطال الدول العربية، لا سيما دول الطوق.
وفي رمضان الماضي منع الاحتلال الرجال الذين تقلّ أعمارهم عن 55 عاما، والنساء اللواتي تقلّ أعمارهن عن 50 عاما، والأطفال ممّن تزيد أعمارهم عن 10 سنوات، من دخول الأقصى في أوقات الصلاة.
ويزعم اليهود أنّ المسجد الأقصى بني على أنقاض هيكلهم الثاني الذي دمّره الرومان في عام 70 م، وهم يطلقون على هذا المكان اسم "جبل الهيكل" ويعتبرونه أقدس أماكنهم الدينية.
والمسجد الأقصى الذي يعتبر في صلب النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني تتولّى إدارته دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن بينما تسيطر القوات الإسرائيلية على مداخله.
وبموجب الوضع القائم بعد احتلال إسرائيل القدس الشرقية في 1967، يمكن لغير المسلمين أن يزوروا المسجد الأقصى في أوقات محدّدة لهم من دون أن يصلوا فيه، لكنّ هذه القاعدة ينتهكها بشكل متزايد يهود متشددون.
ويعتبر الفلسطينيون ووزارة الأوقاف الأردنية زيارات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى استفزازا لمشاعر المسلمين.
ويمكن لأدنى حادث في المسجد الأقصى إشعال الوضع المتوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي الأعوام الأخيرة وقعت اشتباكات عنيفة في المسجد الأقصى بين فلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية خلال شهر رمضان.