ارتقى المطارد عبد الرحمن أبو المنى شهيدًا على تراب الوطن، ليس برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، بل بغدر أجهزة أمن السلطة التي تُطلق على نفسها اسم "الفلسطينية"، في جريمة وطنية تتكرر يومًا بعد يوم، دون حسيب أو رقيب.
الملاحقة، الاعتقال، السحل، القتل، وتخريب أعمال المقاومة، هي أولويات أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية المحتلة، التي تتعرض للتهويد والتهجير والإبادة الصامتة، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون المتطرفون في كل لحظة.
"الدينانين"، كما يُلقَّب في شوارع وأزقة جنين ومخيمها، لم يكن الشهيد الأول أو الأسير الأول، فقد سبقه العشرات والمئات من مقاومي الشعب الفلسطيني، الذين يطاردهم مطرقة الاحتلال وسندان السلطة، التي تسعى جاهدةً لعرقلة ومحو كل أشكال المقاومة في الضفة الغربية المحتلة.
بهذا يرتفع عدد الشهداء برصاص أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية إلى 20 شهيدًا منذ السابع من أكتوبر 2023، بينهم 15 شهيدًا في محافظة جنين، بعد ارتقاء الشهيد عبد الرحمن أبو المنى.
وجاءت عملية اغتيال المطارد أبو المنى في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الوحشي على الضفة الغربية المحتلة، وخاصة جنين ومخيمها، لليوم الـ50 على التوالي، في حين تُصرّ أجهزة السلطة على نهج القمع والملاحقة بحق المقاومين، مما يمثل استهدافًا خطيرًا لوحدة شعبنا وتضحياته.
وتحاول السلطة ملاحقة المقاومين والمطاردين واعتقالهم وتعذيبهم، وإفشال عملياتهم وكمائنهم، وعرقلة زرع العبوات الناسفة التي تهدف للتصدي لاقتحامات الاحتلال اليومية، التي تستهدف مدن ومخيمات الضفة الغربية.
وخلال معركة "طوفان الأقصى"، التي يتعرض فيها شعبنا لأبشع إبادة جماعية، صعّدت أجهزة السلطة من استهدافها للمقاومين، في محاولة لإثبات نفسها كضابط أمني للاحتلال الإسرائيلي، ومنع تطور المقاومة، ليعيش الاحتلال أفضل أيامه بفضل التنسيق الأمني.
اغتيال بدم بارد
واستشهد المطارد عبد الرحمن أبو المنى، مساء أمس الاثنين، برصاص أجهزة أمن السلطة على دوّار النسيم في مدينة جنين، أثناء محاولته التنقل بين المواقع، إلا أن أجهزة السلطة رصدته، وقطعت عليه الطريق، ثم أطلقت عليه النار وأصابته، قبل أن تختطفه من مركبته، ليُعلن لاحقًا عن استشهاده.
"جريمة وطنية تستوجب المحاسبة"
د. حسن خريشة، نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني وصف اغتيال المطارد عبد الرحمن أبو المنى بأنه جريمة وطنية تستوجب المحاسبة، مؤكدًا أن الاحتلال يواصل عدوانه، في حين تلاحق السلطة المناضلين الفلسطينيين، إما باعتقالهم أو بقتلهم.
وقال خريشة، في تصريح خاص لوكالة "شهاب" للأنباء، إن الاحتلال يستبيح مدن ومخيمات الضفة، لا سيما في جنين وطولكرم، في حين تواصل السلطة تنفيذ سياسة القمع والقتل بحق المقاومين.
وأضاف: "قيام السلطة بمحاصرة أحد المناضلين وقتله، كما حدث مع أبو المنى، يؤكد استمرار ما يُسمى بحملة (حماية وطن)، التي أطلقتها السلطة منذ فترة طويلة ولم تتوقف".
وشدد خريشة على أن ملاحقة السلطة للمقاومين مرفوضة وطنيًا وشعبيًا، مطالبًا السلطة بتحديد موقفها: إما أن تكون مع شعبها في مواجهة الاحتلال، أو أن تعيد تموضعها بجانبه.
وأوضح أن هذه السياسة تعمّق عزلة السلطة وتزيد من حالة الانقسام والتفتت داخل المجتمع الفلسطيني.
"هبّة لحماية المقاومة"
من جانبه، قال القيادي الوطني عمر عساف إن اغتيال المطارد عبد الرحمن أبو المنى على يد أجهزة السلطة يُعدّ عارًا آخر يُضاف إلى سجل جرائمها بحق المقاومين.
وأوضح عساف، في تصريح خاص لوكالة "شهاب"، أن المطارد أبو المنى كان يحاول التنقل من مكان إلى آخر، إلا أن أجهزة السلطة رصدته وقطعت عليه الطريق، ثم أطلقت عليه النار وأصابته في رأسه.
وتابع: "المفارقة المؤسفة والمخزية أن مواطنًا آخر استشهد في ذات الوقت على يد قوات الاحتلال في جنين، مما يُشكل عملًا مدانًا، يتناقض مع القيم والأعراف والتقاليد النضالية الفلسطينية".
وأضاف عساف: "آن الأوان لوقف هذه الممارسات، التي لا يستفيد منها سوى الاحتلال وأعداء شعبنا".
وأشار إلى أن هذه الجريمة تأتي في وقت تتعرض فيه جنين والضفة الغربية لاجتياح إسرائيلي شرس، مؤكدًا أن السلطة يجب أن تعيد النظر في سياساتها تجاه المقاومين.
ودعا عساف أبناء شعبنا إلى الهبّة لحماية المقاومة، ومنع السلطة من مواصلة هذا السلوك المشين، الذي يرفضه الجميع.
"أبو المنى ليس الأول"
وأكدت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة أن عدد الشهداء الذين ارتقوا برصاص أجهزة أمن السلطة ارتفع إلى 20 شهيدًا منذ السابع من أكتوبر، مشيرة إلى أن 15 منهم استشهدوا في جنين، و3 في طولكرم، وواحد في طوباس، وآخر في رام الله.
وأوضحت اللجنة أن الشهداء الذين قتلوا برصاص أجهزة السلطة هم:
في جنين: رزان تركمان، فراس تركمان، أحمد هاشم عبيدي، محمد عرسان، أحمد البالي، ربحي الشلبي، يزيد جعايصة، محمد عماد العامر، مجد زيدان، محمد أبو لبدة، الصحفية شذى الصباغ، محمود الجلقموسي، قسم الجلقموسي، سائدة محمد أبو بكر، وعبد الرحمن أبو المنى.
في طولكرم: أحمد أبو الفول، محمد أحمد الخطيب، معتصم العارف.
في رام الله: محمود أبو لبن.
في طوباس: محمد صوافطة.
وحملت اللجنة أجهزة السلطة المسؤولية الكاملة عن استشهاد المطارد عبد الرحمن أبو المنى، مطالبةً بوقف سياسة الاعتقالات والملاحقات بحق المقاومين فورًا.
وأضافت اللجنة: "هذه الجريمة النكراء تعكس حجم التواطؤ مع الاحتلال، وتمثل اعتداءً خطيرًا على القيم الوطنية، وتخدم مخططات الاحتلال في تصفية المقاومين".
وقالت: "إن استمرار هذه السياسات القمعية لا يخدم إلا الاحتلال، ويزيد من حالة الاحتقان الداخلي التي تهدد وحدة شعبنا"، داعيةً المؤسسات الحقوقية إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم".
كما دعت جماهير شعبنا إلى التصدي لهذه الممارسات الجبانة، والوقوف صفًا واحدًا لحماية المقاومة، والضغط لوقف الاعتقالات السياسية والتنسيق الأمني.
مساء الاثنين، استشهد المطارد عبد الرحمن أبو المنى "الدينانين"، برصاص أجهزة السلطة على دوار النسيم في جنين، بعدما أُصيب في رأسه، قبل أن يتم اختطافه والتنكيل به، ليُعلن عن استشهاده لاحقًا.