تحت عنوان "العام القادم في القدس".. تداولت مواقع ومنصات عبرية متطرفة، مقطع فيديو أنتج بتقنية الذكاء الاصطناعي يُظهر تفجير ونسف المسجد الأقصى المبارك وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، في استفزاز كبير لمشاعر الفلسطينيين والمسلمين حول العالم.
هذه المشاهد التي يجري تداولها بشكل متزامن عبر العديد من المنصات العبرية، تشير إلى حملة دعائية مُعدّة بشكل احترافي، وتُظهر تصميمات تفصيلية بالذكاء الاصطناعي توحي بعمل دعائي منظم، في تحريض ممنهج لتصعيد استهداف أحد أقدس المقدسات في العالم الإسلامي.
وتأتي هذه المشاهد المصورة في مشهد غير مسبوق منذ احتلال القدس عام 1967، حيث يشهد المسجد الأقصى موجة من الاقتحامات المتتالية تجاوزت حدود الاستفزاز لتصل إلى مرحلة فرض أمر واقع جديد.
ورغم أن الفيديو تخيّلي، إلا أن طابعه العنيف والمباشر في تهديده لمكان مقدّس يثير التساؤلات حول رد فعل العالم الإسلامي تجاه هذا الاستفزاز السافر.
ووفق مراقبين، فإن اليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم بات لديه شعور بقدرته على تنفيذ مخططاته التهويدية التوسعية والعنصرية، في ظل ردود فعل دولية باهتة على مظاهر وجرائم الإبادة التي يرتكبها في كافة الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة خصوصًا.
وسُجّل هذا العام خلال ما يسمى "عيد الفصح" أضخم اقتحام للمسجد الأقصى في موسم واحد، إذ بلغ عدد المستوطنين الذين استباحوا الساحات 6768 متطرفا ومتطرفا، وشهد اليوم الخميس الماضي الذي صادف خامس أيام الاعتداءات اقتحام 2258 مستوطنا، وهو الرقم القياسي للاقتحامات الجماعية منذ انطلاقها عام 2003.
"مخطط علني للهدم"
المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي، أكد على أن هذا العام يشهد تصعيدًا غير مسبوق في محاولات تهويد المسجد، بل وحتى الترويج العلني لهدمه من قِبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في تحول وصفه بأنه "الأخطر في تاريخ الأقصى المبارك".
وقال الهدمي في تصريح خاص بوكالة "شهاب" للأنباء: "نحن نمر هذا العام بظروف قد تكون الأخطر على الإطلاق، حيث لم تعد المخططات لتهويد الأقصى مجرد أفكار متطرفة يتبناها المستوطنون، بل باتت الحكومة الإسرائيلية نفسها تتبناها بشكل رسمي".
وأشار إلى مقاطع مصورة تم تداولها مؤخرًا تُظهر مشاهد افتراضية لهدم المسجد الأقصى المبارك وتفجير قبة الصخرة، واستبدالها بهيكل أسطوري، موضحًا أن هذه المواد لا تُواجَه برفض من سلطات الاحتلال، بل يتم الترويج لها دون خجل أو إنكار.
وأضاف الهدمي: "في السابق كانت الصلوات التلمودية تُقام داخل المسجد الأقصى بمباركة خفية من شرطة الاحتلال، أما اليوم فقد أصبحت الشرطة هي الحامية المباشرة لهذه الانتهاكات، وهو ما يعكس تبنيًا رسميًا لهذه السياسات".
وأكد أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير صرّح صراحة بأنه يسعى إلى فرض سيادة الاحتلال الكاملة على المسجد الأقصى، مشيرًا إلى أن هذا الصراع لم يعد فقط سياسيًا بل "ديني وسيادي بامتياز"، على حد تعبيره.
وأوضح الهدمي أن الجمعيات والمنظمات المتطرفة تعمل على جمع التبرعات من أجل تحقيق حلم بناء "الهيكل" مكان المسجد الأقصى، وسط صمت وتخاذل عالمي وعربي.
وقال: "للأسف، ما دام الواقع العربي والإسلامي على ما هو عليه، فإن الاحتلال سيواصل جرائمه دون رادع"، محذرًا من أن المسجد الأقصى يمر بأسوأ حالاته، داعيًا إلى وقفة حقيقية أمام هذه المخاطر التي تهدد أولى القبلتين وثالث الحرمين.
"الأقصى مستباح"
وفي مشهد غير مسبوق منذ احتلال القدس عام 1967، يشهد المسجد الأقصى موجة من الاقتحامات المتتالية تجاوزت حدود الاستفزاز لتصل إلى مرحلة فرض أمر واقع جديد، فعلى مدار 5 أيام متواصلة، تدفق نحو 7 آلاف مستوطن إلى ساحات الحرم القدسي الشريف في صورة تعكس تحولا خطِرا في مسار الصراع.
مشاهد صادمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسجد المبارك، حيث دخل المستوطنون بالآلاف، في جماعات وفرادى، يرقصون ويغنون ويؤدون شعائر تلمودية في استعراض قوة متصاعد.
وفي مشهد مواز، يتمايل وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل، متنقلا بين المقدسات الإسلامية بحرية تامة، "رائحا غاديا مقتحما" دون أن يجد من يوقفه أو يعترض طريقه، في تحدٍّ سافر للمشاعر الدينية والتاريخية للمسلمين.
وتحمل هذه المشاهد في طياتها مفارقة مؤلمة، ففي زمن غير بعيد، كانت مثل هذه الاستفزازات كفيلة بإشعال المنطقة برمتها وإطلاق موجات غضب تهتز لها العواصم العربية والإسلامية.
فقبل 25 عاما فقط، أشعل اقتحام رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون للمسجد الأقصى انتفاضة فلسطينية واسعة، واندفع الناس إلى الشوارع في كل أنحاء العالم الإسلامي احتجاجا.
بينما يخيّم اليوم صمت مطبق "من المحيط إلى المحيط، ومن المحيط إلى الخليج"، فيما يرى مراقبون أن الدماء الفلسطينية التي تُسفك منذ شهور على مرأى العالم في إبادة لا هوادة فيها، مقترنة بردود الفعل العربية الهزيلة، قد دفعت الاحتلال لتجاوز مرحلة التحدي إلى زمن الهيمنة المطلقة.
وبالتزامن مع كل هذه الانتهاكات، ضيّقت شرطة الاحتلال على المصلين وأعاقت دخولهم إلى المسجد عبر حصاره بنصب سواتر حديدية في بداية الأروقة المؤدية إلى الأقصى وأمام أبوابه، وأخرجت عددا من الشبان خلال أيام العيد اليهودي من الساحات واحتجزتهم لفترات متفاوتة.
ويضاف إلى منع السواد الأعظم من المصلين من الدخول، فإن المئات من أهالي القدس والداخل الفلسطيني ممنوعون من دخول المسجد بأوامر إبعاد تتراوح مدتها بين 3 و6 أشهر تسلّمها معظمهم قبيل شهر رمضان المنصرم وخلاله.
والاثنين الماضي، قالت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إن ما يجري في المسجد هو "انتهاك غير مسبوق للوضع التاريخي والديني والقانوني القائم منذ أمد للمسجد الأقصى المبارك كمسجد إسلامي للمسلمين وحدهم".