تتفاعل تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تهجير الفلسطينيين من غزة وتسليم القطاع عند انتهاء القتال إلى الولايات المتحدة، التي ستبدأ بناء ما وصفه بـ"أحد أكبر وأروع التطورات في العالم".
ولم يسبق أن تبنى رئيس أميركي خطط اليمين الإسرائيلي المتطرف بهذا الوضوح، فبشكل مباشر قال ترامب إن لا خيار آخر أمام سكان غزة سوى المغادرة.
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن مسؤولين كباراً في البيت الأبيض أصيبوا بالذهول من إعلان ترامب خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السيطرة على غزة، علماً بأنه كان قد أثار هذه الفكرة قبل أسابيع قليلة خلال لقاءات مغلقة، لكن لم تتم أي مناقشات جدية حول هذا الموضوع مع وزارة الخارجية أو البنتاغون لفحص جدواها.
حتى أن الجانب الإسرائيلي لم يكن متفاجئاً فحسب، بل كان مندهشاً للغاية، ووفقاً للصحيفة، كان ترامب كشف لنتنياهو قبل لحظات من خروجهما إلى المؤتمر الصحافي عن فحوى تصريحه.
ونقلت "القناة 12" الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي كبير وصفه زيارة نتنياهو بأنها ناجحة وفاقت التوقعات، وبأن ترامب "طرح حلولاً عبقرية" للمشكلات التي تواجه إسرائيل منذ قيامها.
وسيلة تحايل
لكن محللين سياسيين وخبراء في الصحف الإسرائيلية الكبرى، اعتبروا أن تصريحات ترامب تخطت المعقول، فهو "يهذي بلا معنى، هذا أسلوبه، ليس لدينا وقت لهرائه، فنحن لسنا في حقبة الحرب العالمية الثانية، لن يكون هناك أي ترحيل للفلسطينيين من غزة، ولن يبني الأميركيون ريفييرا، لأن وبكل بساطة لا توجد لديهم خطة، ولا عمل تحضيري ولا حتى دراسة جدوى، كما لا يوجد من سيستقبل على أرضه مليوني فلسطيني".
وكتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ رغبة الرئيس الأميركي في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة هي "حلم بعيد عن الواقع". ورأت أن كلام ترامب قد يكون "وسيلة تحايل، ونموذجاً لمدى تفكيره خارج الصندوق، لكنه ليس خطة عمل، خصوصاً عندما لا توافق أي جهة فلسطينية على التعاون مع خطته، وما دامت حماس لا تزال تسيطر على القطاع".
وأشارت الصحيفة إلى أن "كلام ترامب حول هجرة الفلسطينيين من غزة بشكل ٍطوعي (أو قسراً) أشعلت فانتازيا في إسرائيل"، و"الكثير من الإسرائيليين بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، يرغبون في رؤية قطاع غزة يسوّى بالأرض، والفلسطينيين الذين يعيشون هناك يختفون، ويصبح القطاع ريفييرا أميركية مزدهرة"، مضيفة أنه "حلم حقيقي، لكن هناك فقط مشكلة واحدة تتمثل في أنه ليس واقعياً وغير ممكن أو قابلٍ للتنفيذ".
وتابعت: "من الممكن أن تكون مناورة من الرئيس الأميركي الجديد - القديم لإثبات كم يفكر خارج الصندوق، وقد تكون خطوة عدوانية بشكل خاص في المفاوضات مع حماس، لكن خلاصة القول إنها ليست خطة عمل ولن يوافق أي مسؤول عربي على التعاون معها، حتى في الدول العربية المعتدلة".
وأضافت: "ليست هناك أي جهة فلسطينية توافق على التعاون مع خطة ترامب للتهجير أو الترانسفير، وخصوصاً عندما يتم ذكر الهجرة أو المغادرة التي تذكّر بأكبر كارثة جماعية للفلسطينيين وهي نكبة 1948، حتى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أعلن معارضته الشديدة لها".
وأكدت "يديعوت أحرونوت" أن "العمليات العسكرية – مهما كانت عدوانية - ستؤدي على الأرجح إلى تدمير وقتل أكثر أوسع في قطاع غزة، لكن ليس إلى استسلام حماس ما دام لا يوجد بديل سلطوي لها، ولا حتى تقويضها، بل ستؤدي إلى المزيد من الجنود الإسرائيليين القتلى الذين سيواصلون الحرب من دون هدف واقعي في الأفق".
لا حلول سحرية
أما صحيفة "هآرتس"، فاعتبرت أن اقتراح تهجير الفلسطينيين من غزة يستحق التجاهل المطلق وغير جدي. وكتبت أن تصريحات ترامب تدل إلى أنه لا يفهم الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وجذوره وتطوره على مرّ السنين.
وخلصت الصحيفة إلى أن "التبجح بمثل هذا الحل الذي يتطابق مع الترانسفير والتطهير العرقي وجرائم الحرب الأخرى هو إهانة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، علماً أنه أدخل اليمين المتطرف في نشوة، وكان من الأنسب أن يفهم، على الأقل في هذه المرحلة، أنه لا توجد حلول سحرية تجعل الصراع يختفي، تبدو الخطة كما لو أنها حل بديل أو طريق مختصرة لمسار الديبلوماسية والسلام".
وذكَّرت الصحيفة الإسرائيليين بأن "الترحيل أو النقل القسري للسكان المدنيين هو انتهاك للقانون الإنساني الدولي وجريمة حرب ضد الإنسانية".
ولفتت إلى أن "ما هو مطلوب الآن وقبل كل شيء هو إكمال كل مراحل صفقة التبادل مع حماس من أجل استعادة كل الأسرى ووقف الحرب، ومن المهم للغاية تقديم حلول للنزاع مع الفلسطينيين، وقبول السلطة الفلسطينية كبديل لحكم حماس، وإعادة إعمار غزة والعودة إلى المسار الديبلوماسي، لكن يجب أن تكون هذه الحلول سياسية واقعية، ترتبط بالواقع السياسي وليس بأوهام في مجال العقارات".