كلّنا نعرف ذلك الشخص الذي لا يمكنه أن يسمع أحداً يتلفّظ بكلمة من دون أن يصحّحها له، ويشعر بالتوتر والضغط إن لم يصحّحها. قد يبدو الأمر للآخرين رغبة في الكمال، أو ربما إظهاراً للمعرفة بالشيء. لكن تصحيح الأخطاء الإملائية في جملة عابرة، خارج نطاق أيّ امتحان، يرتبط بوسواس وباضطراب نفسي أو Grammatical Pedantry Syndrome أوGPS.
فبحسب دراسة بعنوان "Grammar sticklers may have OCD" استخدمت التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي على الدماغ، وعرَّضته لأخطاء نحوية آنية، أكّدت أن متلازمة (GPS) قد تكون نوعاً من اضطراب الوسواس القهري/اضطراب التحدّي المعارض. فعادةً ما تُراود مرضى الوسواس القهري أفكارٌ غير مرغوب فيها وغير مريحة، تملأهم بالخوف والقلق، لذلك، يُطوّرون روتيناً أو طقوساً للتغلب على ضيقهم والتعامل مع هذه المشاعر، مثلاً، يشعر الأشخاص المصابون بـGPS برغبة ملحّة في تصحيح الأخطاء النحوية أو الإملائية، لأن ذلك يُخفّف التوتر والإحباط والقلق.
وأفاد البحث أيضاً بأنّ هناك منطقتين في الدماغ مُرتبطتين باللغة كانتا أصغر حجماَ، أو أظهرتا نشاطاً أقلّ لدى المُتشدّدين في القواعد النحوية مُقارنةً بالأشخاص العاديين. لذلك، يمكن أن تُسبب متلازمة (GPS) رغبة جامحة في التصحيح. وقد يتجلى هذا في تعليقات قاسية أو مهينة على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. لذا، يُشير الموقف العدواني أو المُلحّ إلى أن حبّك للقواعد والإملاء تجاوز الحدّ المسموح به ليصبح هوساً. ويمكن أن يُصعّب هذا الهوس الحياة الاجتماعية ويزيد من القلق والتوتر.
ومن جهة ثانية، خلُصت دراسة بعنوان " If You’re House Is Still Available, Send Me an Email: Personality Influences Reactions to Written Errors in Email Messages"، إلى أنّ الانطوائيين أكثر حساسية من المنفتحين على الأخطاء المطبعية والنحوية، بل قد يكونون أقل استعداداً لمشاركة حياتهم مع شخص مُعرّض لهذه الأخطاء.
للتصحيح أسباب عديدة!
المصاب بهذه المتلازمة قد لا يكون دائماً ممَّن يعانون الوسواس القهري، تقول الدكتورة غرايس عازار، الأستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية الأميركية، وجامعة الروح القدس الكاسليك، والجامعة اللبنانية وجامعة البلمند، والمتخصصة بعلم النفس والبيانات الطبّية، لـ"النهار".
وقد يكون صاحب المتلازمة من الأشخاص المثاليين الذين يحبّون أن تكون كل الأشياء من حولهم مثالية من دون أي خطأ، ما يدفعهم إلى أن يصحّحوا كل ما يرونه حولهم، ليس فقط الأخطاء النحوية أو الإملائية. كذلك، هناك أشخاص، بدافع حب السيطرة وحاجتهم إلى السيطرة في هذا التواصل، يمارسون التصحيح للشخص الذي أمامهم، أو لأنّهم يحبّون أن يشعروا بأنهم أفضل من الشخص الآخر. وهناك أيضاً أشخاص يمارسون هذه العادة لأنهم مطّلعون أكثر من سواهم أو يعلّمون اللغة ويصحّحون من منطلق خبرتهم الأكاديمية في هذا المجال. أيضاً، هناك أشخاص يشعرون ببعض القلق وأنهم بحاجة إلى وضع النقاط على الحروف، وخوفاً من التحدّث بما يقلقهم، يذهبون إلى تصحيح أخطائهم وأخطاء الآخرين في الكلام.
بالتالي، وبحسب عازار، قد يكون هذا التصحيح قهرياً وليس بسبب الوسوسة، ولا يمكن لهذا الشخص أن يمرر أي كلمة من دون تصحيحها.
لا شك في أنّ مواقف التصحيح محرِجة للشخص نفسه، ولمَن يصحّح له، فهو يشعر في الوقت نفسه بأنّه ارتاح من توتر رؤيته شيئاً خاطئاً، وأنه قال شيئاً لشخص قد لا يتقبّله. في المقابل، يشعر الشخص المصحَّح له بالإحراج أيضاً وأنه محطّ انتقاد وقد لا يعجبه هذا الأمر وقد تتغيّر ردود الفعل بين شخص وآخر، وقد يؤثر ذلك حتماً على علاقة الشخص المنتقِد بمحيطه.
لذلك، وفق عازار، فإن الأشخاص الذين يصحّحون دائماً هذه الأخطاء، قد تتأثر علاقتهم بالآخرين، وقد يقلّلون تواصلهم معه. ففي كل مرة يصحّح الشخص يثير الغضب والتوتر بينه وبين الآخر، وقد يشعر المصحَّح له بالدونية وبالخجل، ويتفادى أن يتواصل مع الشخص الذي يصحّح له دائماً، وأحياناً يحضّر ما يريد التحدّث به أو يقتصر كلامه على ما هو ضروري فقط.
التصحيح الدائم والمتكرر يعرّض صاحبه للعزلة من محيطه نتيجة القلق والتوتر الذي يسبّبه، بحسب عازار. والشخص الذي لديه حاجة مُلحّة دائماً لتصحيح أخطاء الكلام لدى الآخر، عليه أن يلين وأن يركز أكثر على مجمل الكلام لا تفصيله، والتعاطف مع الآخر "المخطئ".
وإن كان سبب تصحيح الشخص، جزءاً من الوسواس القهري، يمكن أن يتعرّض للعلاج، تفيد عازار. لكن في الحالات الأخرى، إذا ما كان الشخص واعياً لنفسه حيال هذه المتلازمة، يمكنه أن يحسّن من نفسه.