سرق العرض العسكري الذي نفّذته "حماس" بعد وقف إطلاق النار وخلال تسليم الأسيرات الثلاث الأنظار والانتباه، لما يحمل من دلالات قوّة وسيطرة ودحض لكلّ رواية إسرائيلية تتحدّث عن تدمير قدرات الحركة. أرادت "حماس" من خلال المشهد الذي ظهرت به إرسال رسائل في كلّ اتجاه، للداخل الفلسطيني، والمنظومة السياسية والأمنية الإسرائيلية، والمجتمع الدولي
.
هذه الرسائل فرع من عنوان عريض، مفاده أن "حماس" لا تزال "قوية وقادرة" على الإمساك بزمام الأمور وستستعيد سيطرتها على غزّة، قطعاً للطريق على السلطة الفلسطينية التي أعلنت استعدادها لحكم القطاع، وتحدياً لإسرائيل التي وضعت تدمير الحركة وإنهاء حكمها هدفاً للحرب، وإيعازاً للمجتمع الدولي بأن قرار غزّة في جعبتها ونقاشات إعادة الإعمار وغيرها ستكون معها لا مع سواها.
العرض العسكري الذي نفّذته "حماس" ارتدى خلاله عناصرها زيّ القوات الخاصة، وتنقلوا بسيّارات مخصّصة للأجهزة الأمنية، في إشارة إلى أن معسكرات الحركة ومخازنها موجودة وكان العناصر يتحصنون داخلها مع عتادهم، وقد يكون ثمّة المزيد غير المعلن، وهو العرض الذي لم يتمكّن "حزب الله" من تنفيذه بعد انتهاء حربه مع إسرائيل، مع العلم بأن حرب غزّة كانت أقسى وأطول.
لا تقديرات حول أعداد عناصر "حماس"، لكن وفق الأرقام الإسرائيلية، فإنّ "عدد المقاتلين قبل الحرب وصل إلى 30 ألفاً ينضوون في 24 كتيبة، قُتل منهم أكثر من 17 ألفاً واعتقل غيرهم"، إّلا أن تقارير كثيرة تحدّثت عن نشاط القيادي في الحركة محمد السنوار، شقيق يحيى، لتجنيد مقاتلين وإعادة تنظيم صفوف التنظيم، وبالتالي من المرجّح أن عدد العناصر إلى ارتفاع.
ترى تهاني مصطفى، كبيرة محللي الشؤون الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية، خلال حديثها لـ"النهار"، أن إسرائيل "فشلت" في تدمير الحركة، والأهم أنها فشلت في "شلّ قدرتها" على تجديد قوتها، وذلك بسبب "عدم فهم" إسرائيل وحلفائها كيفية عمل "حماس" وقدرتها على تأمين استمراريتها، خصوصاً أن الحركة "تعتمد على موارد محلية".
ويشير الكاتبان عمر عبد الباقي وسومر سعيد، خلال مقال في صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أنّ الحركة "لا تزال هي القوة المهيمنة" في غزّة. وينقلان عن غيرشون باسكين، المفاوض الإسرائيلي السابق في قضية رهائن، قوله إن "وجود حماس على الأرض مسلحة يشكّل صفعة في وجه الحكومة والجيش الإسرائيليين، وهو ما يسلط الضوء على أن أهداف إسرائيل من الحرب لم تكن قابلة للتحقيق أبداً".
ستحاول "حماس" الحفاظ على مشهدية السيطرة والقوة، وملء كل فراغ قد تستغله إسرائيل أو السلطة الفلسطينية. ووفق مقال تحليلي نشره سيث جيه فرانتزمان في صحيفة "جيروزاليم" العبرية، فإن الحركة "تريد تولي مسألة إعادة الإعمار"، إلّا أن باسكين "ليس مقتنعاً بأن حماس تعتقد أنها تستطيع العودة إلى حكم غزة، ولكن في الوقت الحالي لا أحد على الأرض سواها قادر على تولي السلطة".
الجدلية اليوم بين استمرارية "حماس" كتنظيم وقدرتها على حكم غزّة. برأي مصطفى، إن التنظيم سيستمر كـ"حركة مقاومة" ولا يمكن "إنهاؤه" ما دامت فكرة المقاومة موجودة لديه، وأثبتت تقارير الاستخبارات الأميركية أن الحركة "جنّدت عناصر أكثر مما قتلت إسرائيل"، لكن برأيها، فإنها "لا تريد الحكم" لأنها أيقنت أن التجربة جعلتها "غير محبوبة" وأبعدتها عن "هدف المقاومة".
وبالتالي، فإن "حماس" اليوم تقف على أعتاب مرحلة مهمة جداً ووجودية بالنسبة إليها، وإذ تمكّنت من إفشال المخطط الإسرائيلي القاضي عليها، فإنها لم تظهر بصورة الانتصار بعد كل الدمار الذي لحق بالغزيين وبالمحور الداعم لها في المنطقة، أي محور إيران، والعين ستكون على المقاربات الجديدة التي ستنتهجها الحركة سياسياً وعسكرياً.