يضبط الشرق الأوسط ساعته مساء اليوم على توقيت واشنطن التي ستحتضن اجتماعاً مفصلياً سيحدد إلى حدّ بعيد مصير المنطقة وملامحها، وذلك عقب أكثر من 15 شهراً من الحرب المدمّرة التي شهدتها، من غزّة إلى لبنان، والضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وتكبّد المحور الذي تقوده طهران خسائر كبيرة كان آخرها سقوط حليفها الاستراتيجي في سوريا، بشار الأسد.
ويأتي الاجتماع الأول لترامب بزعيم أجنبي قبيل الجولة الخامسة من إطلاق سراح الأسرى المقررة السبت المقبل، واستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و"حماس" بشأن المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تستمرّ مرحلته الأولى 42 يوماً وتنتهي مع بداية شهر رمضان. إلّا أنّ مصير الاتفاق ككلّ لا يزال ضبابياً، إذ وفقاً لرئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني "لا توجد خطّة واضحة" بشأن موعد بدء المفاوضات في ما يتعلّق بالمرحلة الآتية.
والاجتماع، الذي وصفه نتنياهو بـ"المهم للغاية" قبل إقلاع طائرته إلى الولايات المتحدة، كشفت صحيفة "جيروزالم بوست" أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية سيحاول خلاله اقناع ترامب الوفاء بوعيده بـ"فتح أبواب الجحيم" في الشرق الأوسط، لضمان الوصول إلى اتفاق أفضل يضمن إبعاد "حماس" عن الحكم في غزة. إلّا أنّ الصحيفة العبرية نقلت عن مصادر تحدّثت مع المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف قولها إنّها خرجت بانطباع بأنّ ترامب يرغب باستكمال الاتفاق.
ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين تحدّثوا لموقع "أكسيوس"، فإنّ عدم تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق قد يعني استمرار الحرب في غزة لعام آخر على الأقل في محاولة للقضاء على "حماس"، ونتنياهو "يأمل بأن يتمكّن من التأثير في تفكير ترامب وإقناعه بتأييد خططه".
وما زاد علامات الاستفهام بهذا الشأن هو إرجاء "بيبي" إرسال الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى الدوحة لما بعد لقائه ترامب، ونيّته تعيين وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر رئيساً لفريق المفاوضات في المرحلة الثانية. وقال المعلّق البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع تعليقاً على ذلك: "لا أعلم ما إذا كان نتنياهو ينوي إتمام الصفقة حتى النهاية".
وربما تكون حجّة نتنياهو لإقناع ترامب برأيه، هي ألّا إمكانية بتنفيذ رغبة الأخير بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط إذا لم يتمّ القضاء على "حماس" بشكل كامل. واعتبر السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن جلعاد أردان في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم" أنّ "على الزعيمين معالجة هذه القنبلة الموقوتة". وأضاف: "يتعين على نتنياهو أن يوضح لترامب أن إعادة بناء غزة تعني إعادة بناء حماس".
وإن كان ملف غزّة أساسياً، إلّا أنّ نووي إيران وبرنامجها الصاروخي سيكونان الحاضر الأبرز في أجندة نتنياهو خلال اللقاء الذي استبقته طهران بعرض عضلاتها البالستية عبر صاروخ "اعتماد"، كما سرّبت المعارضة معلومات عن مواقع نووية سرية إيرانية قد تُشكّل مادة دسمة للنقاش. وصحيح أنّ ترامب لا يميل إلى تنفيذ ضربة أميركية مباشرة ضدّ الجمهورية الإسلامية، وهذا ما بدا واضحاً من خلال تصريحاته التي تحدّث فيها عن "اتفاق نووي جديد" يعتزم التوصّل إليه مع طهران، لكنّه في الوقت ذاته اتخذ خطوات لدعم إسرائيل عسكريّاً، فرفع الحظر الذي فرضه سلفه جو بايدن على إمداد إسرائيل بقنابل تزن ألفي رطل، وهذا في حدّ ذاته قد يكون ضوءاً أخضر لتل أبيب لمهاجمة عدوّتها اللدودة، أو قد تكون عاملاً رادعاً لإيران يدفعها نحو التفاوض بسقف أدنى من الشروط مع الرئيس الأميركي.
وممّا لا شكّ فيه، أنّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية سينتقل خلال اجتماع اليوم من مرحلة التنظير إلى مرحلة التخطيط، فترامب الذي غادر السلطة منذ 4 سنوات قبل أن يستكمل "اتفاقيات ابراهام" التي بدأها مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، يرغب بشدّة في متابعة ما يعتبره واحداً من الإنجازات التي لا يزال يتباهى بها في كلّ مناسبة. ويقول مراقبون إنّ إنجاز الأمر سيضمن لترامب دون شك جائزة نوبل للسلام.
لكنّ الأمر منوط أكثر من أيّ وقت مضى بتلبية الشرط السعودي، فلسطين أوّلاً ثمّ السلام، فهل يفعلها ترامب أو ينجرّ وراء مخطّطات نتنياهو الحارقة؟