روسيا __ الاسد __ الشرق الأوسط __ صوت جرش
منذ سقوط نظام بشّار الأسد، أو قبيل سقوطه، نشطت الكوريدورات السياسية والبحثية في روسيا بالتفتيش عن ميادين نفوذ بديلة محتملة لتعويض خسارة ساحة سوريا، موطئ روسيا الأقوى في الشرق الأوسط وعلى ضفاف البحر الأبيض، وبعد السقوط، شهدت المنطقة حركة لوجستية نشطة نقلت خلالها روسيا عسكرها وعتادها نحو مواقع أخرى في أفريقيا.
كان نقل العسكر والمعدات عبارة عن نقل عمق تركيز روسيا من سوريا نحو القارة الأفريقية وساحات نفوذ قديمة - جديدة لتعويض الخسارة المفترضة، يتحدّث عنها غاليب دالاي، زميل استشاري أول في "تشاتام هاوس" وفي مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، بمقال له، يذكر خلاله "شركاء إقليميين رئيسيين" لروسيا في الشرق الأوسط بينها الجزائر، ليبيا، مصر والسودان.
ليبيا: خيار أوّل
يتفق سيرجي ميلكونيان، زميل باحث في معهد "أبحاث السياسات التطبيقية في أرمينيا" مع دالاي على سعي روسيا لإيجاد نقاط بديلة في أفريقيا، وبمقاله، يقول إن "الخيار الأكثر ملاءمة هو شرق ليبيا"، حيث "كثفت روسيا وجودها منذ ربيع عام 2024، ونقلت إليه الأسلحة والمعدات من سوريا"، مشيراً إلى أهمية موقع ليبيا على البحر المتوسط على الحدود دول أفريقية "تمنحها ميزة على الدول الأخرى".
ليبيا دولة غنية بالثروات الطبيعية، والغاز بشكل خاص، وتعد إحدى الدول المصدّرة للمادة إلى أوروبا من بوابة إيطاليا، إلى جانب الجزائر. وفي إطار صراع الطاقة والغاز بين روسيا وأوروبا، فإن الأولى تفتش عن مصادر للسيطرة عليها، إلّا أن الديبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف ماتوزوف يربط التواجد في ليبيا بالصراع الدولي مع الولايات المتحدة أكثر من موضوع الغاز.
يتحدّث ماتوزوف عن هذا الصراع، ويشير إلى أن تركيا "لاعب كبير" في ليبيا "وتتعاون مع الولايات المتحدة التي تحاول بناء جدار" حتى توقف نفوذ روسيا المتنامي، وبرأيه، فإن الأخيرة تتواجد انطلاقاً من مواجهتها المشروع الأميركي – التركي ومن "الحاجة العربية" التي ترى في التواجد الروسي "مصلحة لها"، وهذا يندرج ضمن إطار الصراع العربي – التركي الخفي.
الجزائر: مصدر غاز
الجزائر وجهة سياسية محتملة أيضاً لروسيا التي تسعى لتعزيز صلاتها معها، وقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن العلاقات الثنائية "بلغت مستوى الشراكة الاستراتيجية العميقة"، وبعث بممثله الخاص في الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إليها بعد سقوط الأسد، وهي زيارة توضع في سياق إقليمي واضح هدفه تقوية العلاقات مع أطراف أخرى.
موقع الجزائر الجغرافي على ضفاف البحر المتوسط وشمال مالي ونيجر حيث نشطت قوات "فاغنر"، وغناها أيضاً بالغاز وتصديرها للمادة إلى أوروبا من وبوابة فرنسا، يمنحانها أهمية جيواستراتيجية، وبحسب ماتوزوف، فإن "علاقة غازبروم الروسية وسوناتراك الجزائرية ممتازة"، لكن ذلك غير حاسم برأيه لأن ليبيا والجزائر "غير قادرتين" على تعويض الغاز الروسي بالنسبة لأوروبا.
السودان: منارة على البحر الأحمر
السودان وجهة نفوذ مفترضة أيضاً برأي الباحثين، ويمنحها موقعها على البحر الأحمر وبين مضيق باب المندب وقناة السويس، وحدودها مع مصر وتشاد والعمق الأفريقي الغني بالثروات الطبيعية وحيث تنشط "فاغنر" أهمية جيوسياسية، وقد تتطوّر العلاقة بين الحكومة السودانية وروسيا أكثر بعد سقوط الأسد في ظل تقارير تشير إلى احتمال بناء قاعدة بحرية روسية في السودان.
في هذا السياق، كشف السفير السوداني في موسكو محمد سراج أن بلاده تدرس اتفاقاً بشأن "إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر"، وهو مشروع منافس للقاعدة الأميركية في جيبوتي على ضفاف البحر. ماتوزوف يشبّه السودان وليبيا بالمشهد السوري، حيث تتنافس قوى دولية على النفوذ، ويشدّد على أهمية السودان الجغرافية كونها قريبة من إثيوبيا والصومال ومصر وجيبوتي.
سوريا: دور مستمر
رغم البحث الجاري عن بدائل، فإن سوريا لا تسقط من ذهن الباحثين، وإذ يقول غاليب إن موسكو "قد تسعى إلى علاقات مع مجموعات سورية جديدة"، فإن ميلكونيان يؤيّد هذه الفكرة ويشير إلى أنها "قد تعتمد على الاتفاقات مع أنقرة"، وقد تحتفظ بعد ذلك بقواعدها العسكرية بشرط عدم استخدامها ضد أطراف سورية داخلية، "فينحسر دورها بالخدمات اللوجستية"، وفق ميلكونيان.
ماتوزوف يتحدّث في السياق نفسه، ويلفت إلى أن القيادة السورية الجديدة "لم تطرح انسحاباً روسياً كاملاً"، وبرأيه، فإن الوجود الروسي عامل ضروري لإحداث التوازن في المنطقة مقابل الولايات المتحدة وتركيا، و"حاجة عربية" في هذا الإطار، وتركية أيضاً "لمنع إقامة دولة كردية تصل حدودها إلى البحر الأسود وتحدث تغيرات استراتيجية".
في المحصّلة، فإن ساحات الشرق الأوسط البديلة لسوريا بالنسبة لروسيا كثيرة، ومن المرتقب أن ترصد مساعٍ بوتينية لاستعادة النفوذ وإن كان غاليب يعتقد أن هذه الساحات "لا يمكن أن تعوض ما خسرته روسيا في سوريا"، لكن الهدف الروسي الأوسع يكمن في محاولات توسيع أحلاف مثل "بريكست" ودول الجنوب وتعزيز سياسات المحاور المناهضة للولايات المتحدة وفلكها الغربي.