في ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء الماضي، كانت أسرة الفنان التشكيلي ضرغام قريقع تستعد لمائدة السحور، إلا أن صواريخ الاحتلال باغتتهم بقصف عنيف استهدف منزلهم في حي الشجاعية بمدينة غزة، مما أدى إلى استشهادهم جميعًا إثر انهيار المبنى الذي كانوا فيه.
كان ضرغام، الذي يبلغ من العمر 28 عامًا، يحلم بأن تنتهي الحرب ليتمكن من افتتاح مسرحه الذي طالما حلم به، حيث كان يرغب في عرض موهبته في صناعة الرسوم السينمائية والتشكيلية والفنون البصرية بأسلوبه الفريد الذي اشتهر به، لكن آلة الموت الإسرائيلية سبقت حلمه، فاغتالته قبل أن يشهد تحقق طموحاته.
وعرف ضرغام بين أصدقائه وجيرانه بلقب "ضرغام الرسام"، كناية عن موهبته الفائقة في الرسم، وقد درس التصميم الداخلي والديكور في جامعة الأقصى وتخرج بدرجة امتياز. استثمر موهبته في الرسم ليدخل عالم السينما والفنون البصرية، حيث بدأ بتجربة صناعة الرسوم المتحركة باستخدام الورق والكرتون، قبل أن يطورها لتصبح على شكل دمى، وأنشأ مسرحًا خشبيًا صغيرًا ليعرض من خلاله فنه أمام الأطفال.
وكانت "قدس برس" أجرت لقاءً مع الفنان قريقع خلال فترة نزوحه من حي الشجاعية شرق غزة إلى جنوب القطاع، حيث تابعنا العديد من المبادرات التي أطلقها والتي كانت تستهدف النازحين في مخيمات اللجوء، وبالتحديد الأطفال.
ومن بين المبادرات التي اشتهر بها ضرغام كان مشروع "سينما المخيم"، حيث أطلق فيلمه الخاص بعنوان "يوميات نازح"، الذي صممه بجهود ذاتية. تدور أحداث الفيلم حول عائلة تتكون من أب وأم ولديهما ثلاثة أبناء، نزحت من شمال القطاع إلى جنوبه واستقرت في خيمة.
ويتناول الفيلم معاناة هذه العائلة في تأمين قوت يومها، وساعات الانتظار الطويلة التي تقضيها في انتظار وجبة من "تكيات الطعام"، وانتظار آخر أمام صف المياه، بالإضافة إلى الطوابير التي أنهكت كاهل الأسر، وخاصة الأطفال.
جال فيلم "يوميات نازح" في معظم مخيمات النزوح في وسط وجنوب القطاع، من مدن رفح وخانيونس ودير البلح ومخيمات النصيرات والزوايدة وغيرها. وكان المخرج حريصًا على جعل عروضه واقعية من خلال طباعة تذاكر مجانية وتوزيعها على الأطفال، مع تقسيم الفئات العمرية، مما أتاح للأطفال دخول أجواء السينما التي لم يعتادوا عليها من قبل.
ونعت مؤسسة "فيلم لاب فلسطين"، التي تتخذ من مدينة رام الله مقرًا لها، الفنان الشاب ضرغام قريقع، في بيان جاء فيه "برحيل قريقع تخسر الساحة الثقافية الفلسطينية صوتًا جريئًا، وشغفًا لا يعرف الانطفاء، وفنانًا آمن بأن السينما قادرة على إضاءة العتمة حتى في أشد اللحظات قسوة".
وأوضح البيان أن ضرغام كان شريكًا لمؤسسة "فيلم لاب فلسطين" في تنفيذ العروض السينمائية للأطفال في غزة، مؤمنًا بأن السينما تمثل نافذة نحو الأمل وساحة مقاومة للحزن والخوف خلال فترة النزوح. لم يستسلم ضرغام للظروف القاسية، بل أسس مشروع "سينما المخيم" ليحمل الأفلام إلى الأطفال المحرومين من طفولتهم ويمنحهم لحظات من الفرح وسط الدمار.
كما كشفت المؤسسة أنه كان من المقرر أن يطلق قريقع في الأيام المقبلة سلسلة عروض سينمائية متنقلة للأطفال في مراكز النزوح، استمرارًا لرسالته في جعل السينما مساحة للأحلام في واقع ضيق.