فادي نون
اجتمع نحو أربعين كاتباً فرنكوفونياً من مختلف المشارب في القاعة الرئيسية للمكتبة الوطنية يوم السبت 4 نيسان/ أبريل، في جلسة قراءة وتوقيع للكتب.
قد يبدو الأمر عادياً للوهلة الأولى، إلا أن اجتماع هذا العدد من الكُتّاب الفرنكوفونيين في المكتبة الوطنية ليس حدثاً عابراً. فهؤلاء الرجال والنساء يكتبون، كلٌّ بطريقته، تاريخاً معيّناً للبنان، لبنان الحياة اليومية، الأحلام، والعودة المؤلمة إلى الواقع.
صحيح أن ما يكتبونه يمثل بيئة معينة، لكن أليس لبنان نفسه مكوَّناً من طبقات ودوائر خاصة ومتشابكة؟ من خلال الروايات، والقصائد، والدراسات، والمقالات، والقصص المصوّرة – التي تتفاوت بطبيعة الحال في قيمتها الأدبية – يظهر مستوى آخر من القيمة يجعلها جميعاً متساوية: جميعها تحكي عن لبنان يبحث عن معنى، وعن اعتراف. أدبنا الفرنكوفوني هو أحد أماكن الهوية.

ولم تغب هذه الحقيقة عن المنظمة الدولية للفرنكوفونية، التي رعت هذا الحدث بالاشتراك مع وزارة الثقافة، في إطار امتداد شهر الفرنكوفونية. ولم تغب أيضاً عن دور النشر التي أسهمت في إصدار الأعمال المعروضة، مثل: مكتبة أنطوان، “أوريان دو ليڤر”، دار هاشيت-أنطوان، “سائر المشرق”، “أوزي دير”، و”آرليبان-كلمة”. هؤلاء الناشرون يحققون، من خلال عملهم، إرادةً في التواصل يجب على من يتولون شؤون لبنان أن يحتضنوها، لأنها تعبّر، وإن بشكل غامض، عن شعور واحد: ألمُ زمن الحرب الذي حوّلنا جميعاً إلى منفيين، وحاجتنا الجماعية الغامضة إلى أن نجد أنفسنا مجدداً، وأن نعيد بناء ذواتنا، أن نشرب من النبع، ونروي عطشنا إلى شيءٍ ثابت، نهائي، لا رجعة فيه.
لهذا، يُشكر وصول غسان سلامة إلى وزارة الثقافة، لكونه رجلاً حساساً تجاه هذه القضايا، وقد عاشها في ذاته. قال الوزير للحضور: “إن تاريخ لبنان يُكتب الآن بأقلامهم؛ فجيل جديد من الكُتّاب اللبنانيين الفرنكوفونيين حاضر، ومن بينهم قد يبرز جورج شحادة جديد أو أمين معلوف آخر”.

وانتهز الوزير الفرصة لتكريم الأستاذ جاد حاتم، المربي والكاتب، أستاذ الفلسفة والتصوف المقارن في جامعة القديس يوسف، حيث منحه درعاً تكريمية خاصة تقديراً لجهوده. وقال له مازحاً أثناء تسليمه الدرع: “في ظروف أخرى، كان من الممكن أن تكون في مكاني”.
وأعرب الوزير سلامة عن رغبته في تحويل مباني المكتبة الوطنية إلى مركز ثقافي كبير، وهو على حق في ذلك. فالمبنى، المحاط بحديقة، بجدرانه الرملية، وبنيته المنخفضة، وممراته الواسعة وسلالمه المبلّطة بالرخام، هو بحد ذاته جوهرة معمارية تبهج أنظار المحافظين على التراث.

ورغم أن قاعة القراءة، ذات السقف العالي، والتي لا يُفترض أن يُسمع فيها سوى صوت تقليب الصفحات، ليست المكان المثالي لإلقاء القصائد والخُطب، فإن الجلوس إلى طاولة خشبية، محاطاً برفوف الكتب وأصدقاء قدامى وجدد، ومع ضجيج خافت للميكروفون، يدفعك إلى الحلم بيوم نخرج فيه من الظل، ونُصفّق لأنفسنا على ما نحن عليه.
وفي الختام، صدحت بصوتها السوبرانو ماريا مطر، مؤدية أشهر مقطوعة من أوبرا “كارمن” لبيزيه: “الحب طفل بوهيمي، لا يعرف قانوناً قط".