تتسارع الأحداث في سوريا مع التقدم السريع للفصائل السورية المسلحة التي سيطرت خلال أيام على حلب وحماة وجزء من حمص.
واستولت الفصائل المسلحة على نحو 250 مدينة وبلدة وقرية وضاعف الأراضي التي يسيطر عليها. وتمت السيطرة على حلب ثاني أكبر مدينة في سوريا في غضون 24 ساعة، حيث انهارت خطوط الجيش السوري الأمامية الواحدة تلو الأخرى. بعد ما يقرب من خمس سنوات من تجميد خطوط السيطرة على الأراضي في جميع أنحاء البلاد، هذه تطورات دراماتيكية تغير قواعد اللعبة.
أسباب الانهيار
وقال المحلل العسكري رياض قهوجي لـ"النهار" إن الجيش السوري ينهار بسبب حالات الفرار الكبيرة من المجندين وتدني المعنويات في صفوف الجنود.
وأشار قهوجي إلى أن غالبية المجندين يفتقرون للخبرة القتالية، مضيفا أن فرار الضباط دفعهم لترك مواقعهم. ولفت إلى أن المجموعات العسكرية الباقية في الجبهات هي للكتائب ذات الأكثرية العلوية،. وذكر بأن مقاتلي "حزب الله" كانوا "يسدون الفراغ سابقا وهو ما لم يعد متوفر".
الاسد "لم ينتصر"
وأكد تشارلز ليستر، زميل أول ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، أن ما يحصل في سوريا لا ينبغي أن يكون مفاجئاً بالكامل. وقال في مقال في مجلة "فورين بوليسي" إلى أن الأسد لم "ينتصر" في الحرب الأهلية في بلاده، بل إن حكمه كان يضعف في شكل مضطرد.
فعلى مدى سنوات، كانت الحكمة التقليدية بشأن سوريا ترى أن الصراع مجمد، وأن الأعمال العدائية أصبحت من الماضي، وأن حكومة الأسد هي المنتصرة الحتمية.
مع ذلك، تراجع الاهتمام الدولي بسوريا، وانتهت الدبلوماسية التي تركز على هذه الدولة تقريباً، نقلت الحكومات مواردها تدريجياً إلى تحديات عالمية أخرى.
في هذه الأثناء، ومع تفاقم الأوضاع في سوريا، اتخذت حكومات عربية خطوة إعادة إشراك الأسد والتطبيع مع بلاده بشكل جماعي ابتداءً من عام 2023، مما أدى إلى عودته إلى مكانه الطبيعي في الشرق الأوسط.
بالنسبة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة، كانت حقيقة أن الجهات الفاعلة الإقليمية تتولى مسؤولية الملف السوري علامة مشجعة ومصدر ارتياح. وفي الآونة الأخيرة، وانطلاقاً من معارضتها لسياسة الاتحاد الأوروبي في عزل الأسد وإيمانها بانتصاره الموحد، انضمت مجموعة من 10 دول أوروبية بقيادة إيطاليا إلى الدول العربية في سعيها لإعادة إشراك حكومة الأسد واستكشاف سبل الدبلوماسية وعودة اللاجئين إلى سوريا.
وقد استندت كل هذه التطورات إلى فرضية مفادها أنه على الرغم من سوء الأوضاع في سوريا، إلا أن الأزمة نفسها كانت مجمدة، وأن الأسد نفسه كان يعمل على تعزيز موقعه أيضاً. ولفت ليستر إلى أن هذه الفرضية لم تكن في محلها.
اقتصاد في حالة من الفوضى
فقد كان الاقتصاد السوري في حالة فوضى منذ سنوات. وعندما تم التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي اتفقت عليه تركيا وروسيا (اللتان تدعمان طرفي النزاع) في أوائل عام 2020، كان الدولار الواحد يساوي حوالي 1150 ليرة سورية. ومع بدء هجوم المعارضة قبل أسبوع، كان يساوي 14,750 ليرة سورية. وفي 4 كانون الأول (ديسمبر)، بعد أسبوع من تجدد الأعمال العدائية، بات يساوي 17,500 ليرة سورية.
وقال ليستر إن بدلاً من تحقيق الاستقرار في البلاد ومنح المدنيين السوريين بعض الراحة بعد أكثر من عقد من الحرب، تفاقمت الأزمة الإنسانية في سوريا منذ التوصل إلى الاتفاق عام 2020، حيث أفادت الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 90% من السوريين يعيشون الآن تحت خط الفقر. وفي حين أن احتضان حكومة الاسد للجريمة المنظمة يحقق أرباحاً طائلة، إلا أن ذلك لم يساعد الشعب السوري. في الواقع، تم تخفيض دعم الدولة للوقود والغذاء بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
لكن الأسد لم يعد لديه من ينقذه من الإفلاس بعدما تضرر الاقتصاد الروسي بشدة من آثار حربه في أوكرانيا، كما أن الاقتصاد الإيراني في حالة سيئة أيضًا.
ورأى ليستر انه "لو أن الأسد قد انخرط بشكل بنّاء مع الحكومات الإقليمية التي طبّعت علاقاتها مع سوريا في عام 2023، ولو كان قد تبنى انفتاح تركيا على التطبيع في وقت سابق من هذا العام، لكانت سوريا في وضع مختلف بشكل ملحوظ اليوم."
ومنذ أشهر، بدأ مقاتلو المعارضة السابقون الذين "هادنوا" الحكومة بموجب اتفاق قبل ست سنوات في تحدي الجيش السوري مرة أخرى... و"انتصروا".
وفي الوقت نفسه، وفي خضم الانهيار الاقتصادي في سوريا، تغلغلت الجريمة المنظمة وكذلك إنتاج المخدرات والاتجار بها على المستوى الصناعي في صلب أجهزة الأسد الأمنية. والواقع أن نظام الأسد قد يكون الآن أكبر دولة مخدرات في العالم، وهي متخصصة في إنتاج الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون.
وتدير تجارة المخدرات الفرقة الرابعة النخبوية في سوريا (التي يقودها شقيق الأسد، ماهر)، لكن شبكتها امتدت إلى كل ركن من أركان الجيش السوري والميليشيات الموالية له. وبذلك، مزّقت الجريمة المنظمة وأمراء الحرب ما تبقى من تماسك ضئيل داخل الدولة الأمنية السورية.
استثمار روسيا في الجيش السوري... فاشل؟
كما أظهرت الأحداث الأخيرة أن استثمار روسيا على مدى ثماني سنوات في إعادة بناء الجيش السوري لم يكن له تأثير يذكر على قدرته على القتال بفعالية تحت الضغط. وعلى الرغم من أن الجهود الروسية قد عززت بعض القدرات الفعالة داخل وحدات عسكرية مختارة، مثل فرقة المهام الخاصة الخامسة والعشرين، إلا أن القوات المسلحة السورية ككل لا تزال مفككة وضعيفة التنسيق، بحسب ليستر.
والقدرة النوعية الوحيدة التي أضافتها روسيا إلى الجيش السوري في السنوات الأخيرة هي استخدام الطائرات الانتحارية بدون طيار - إلا أن هذه القدرة تفوقها بشكل كبير من حيث الحجم والتأثير وحدة الطائرات بدون طيار التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" التي تم الكشف عنها حديثًا "كتائب شاهين" (أو لواء الصقور)، والتي أطلقت مئات الأجهزة على مواقع الجيش السوري في الخطوط الأمامية والدبابات وقطع المدفعية وكبار القادة خلال الأسبوع الماضي.
تعزيز الفصائل المسلحة المعارضة قوتها العسكرية
وفي المقابل، عملت "هيئة تحرير الشام" وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى بشكل مكثف منذ عام 2020 لتعزيز قدراتها الخاصة. وقد أنشأت "هيئة تحرير الشام"، على وجه الخصوص، وحدات جديدة تمامًا يمكن القول إنها غيّرت اللعبة في ساحة المعركة في الأيام الأخيرة. فقد كانت الوحدة التي تشبه القوات الخاصة التابعة للهيئة والمعروفة باسم "العصائب الحمراء" رأس الحربة في العمليات النهارية، في حين حققت "سرايا الحراري" التابعة لها مكاسب كبيرة كل ليلة لمدة أسبوع، حيث يحمل كل واحد من مقاتليها البالغ عددهم حوالي 500 مقاتل أسلحة مزودة بمناظير ليلية.
وفي حين أن لواء آخر تابع لـ"هيئة تحرير الشام" يُعرف باسم "كتائب شاهين" قد قضى على أسلحة الجيش السوري الثقيلة في الخطوط الأمامية، فقد استخدمت الجماعة أيضًا صواريخ كروز محلية الصنع، والتي تعادل قوتها التفجيرية قوة انفجار شاحنة مفخخة انتحارية. ومع وجود أساطيل من طائرات الاستطلاع بدون طيار في الجو على مدار الساعة، تفوقت "هيئة تحرير الشام" وحلفاؤها الآخرون على الجيش السوري بشكل كامل.