أكثر من 10 في المئة من سكان غزة، أي ما يفوق 100 ألف فلسطيني، تم تصنيفهم بين مفقود تحت الأنقاض وشهيد وجريح، والأحياء باتوا من دون طبابة واستشفاء بعد تدمير العيادات والمستشفيات. قتل الأطباء والممرضون والمسعفون، وتحول الصحافيون والمراسلون والمصورون حدثاً وخبراً عاجلاً على الشاشات، ومن بقي لم يسلم من التنكيل والاعتقال، ومن تم إعتقاله تعرض لإبشع أنواع التحقيق والتعذيب وحتى الإغتصاب.
452 يوماً من الحرب والقتل الجماعي والتطهير العرقي عانى خلالها الفلسطينيون الكثير من القهر والفقدان والنزوح. 2024 عام لا يشبه ما سبقه من الأعوام،
فقد خلاله أكثر من مليوني فلسطيني بيوتهم.
أكثر من 10 في المئة من سكان غزة، أي ما يفوق 100 ألف فلسطيني، تمّ تصنيفهم بين مفقود تحت الأنقاض وشهيد وجريح، والأحياء باتوا من دون طبابة واستشفاء بعد تدمير العيادات والمستشفيات. قتل الأطباء والممرضون والمسعفون، وتحول الصحافيون والمراسلون والمصورون حدثاً وخبراً عاجلاً على الشاشات، ومن بقي لم يسلم من التنكيل والاعتقال، ومن تمّ اعتقاله تعرّض لإبشع أنواع التحقيق والتعذيب وحتى الاغتصاب.
الباقون هم أشباه أرواح، يغمرهم المطر ويقتلهم البرد القارص، تُركوا يصارعون الرياح بخيمة ممزقة وأربع خشبات، يقاتلون من أجل بقائهم أحياء. يتحملون ظروفاً غير إنسانية وغير طبيعية وغير عادية، ينتظرون معجزة تأتي بميلاد جديد بعد أن خذلهم الجميع وأشاح العالم بوجهه عنهم.
من قلب الحدث
الصحافية فريال عبده من غزة- شمال القطاع لخصت عامها لـ"النهار"، فقالت: "منذ بداية العام نزحنا عشر مرات، وانقطعنا عن العالم الخارجي لعدم توافر الإنترنت والاتصالات، كان أشبه بفيلم رعب لا ينتهي، عند خروجنا بعد 20 يوماً من الحصار رأينا شوارعنا ومنازلنا محروقة ومدمرة، انتقلنا من منزل إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، كان عاماً مليئاً بالجوع وفقدان الأحبة".
وتابعت: "في شهر آذار (مارس)، كان الحصار الأكبر والأشد قسوة، كنّا نشاهد الموت كل لحظة، كنا نحسب النهار يوماً والليل يوماً آخر. بدأت نشر معاناة الناس والوضع الإنساني الصعب والمجاعة، مع كل مقابلة صحافية كنت أبكي، كان الوجع والجوع والحرمان، كانت الأحداث متتالية والفاجعة تلو الأخرى".
"الحالة النفسية حالياً في وضع يُرثى له، جبال من الحزن والخوف والكآبة والشوق للأهل والأصدقاء في الجنوب- دير البلح وخانيونس ورفح، كل قصة كان لها أثر كبير في داخلي، آخرها كانت عن تركيب الأطراف والوضع النفسي للمرضى، غريب كيف كنت أقوى بقوتهم وثباتهم وعزيمتهم، كانوا فرحين بتركيب الأطراف، إحداهنّ قالت لي الحمد الله انه تم بتر قدم واحدة وليس القدمين، وأخرى قالت الحمدلله تم بتر قدمي وليس يدي، بعد رؤية هذه القوة... لا نقوى على أن نشكو شيئاً، على أمل أن يكون العام المقبل هادئاً وتنتهي الحرب ويعمّ السلام من دون المزيد من الفقد والوجع"، قالت.
أما الصحافي في الضفة الغربية بسام أبو الرٌب فقد اعتبر خلال حديث إلى "النهار" الوضع صعباً بكل ما تحمله الكلمه من معنى، إذ شهدت الضفة اقتحامات متكررة وعمليات عسكرية واسعة، بخاصة في الشمال، في المدن والمخيمات وتسبّبت بدمار كبير.
وقال: "استشهد أكثر من 835 فلسطينياً وتمّ إاعتقال الآلاف، إضافه إلى التصعيد في وتيرة اعتداءات المستوطنين، ومصادرة مساحات شاسعة من الأراضي، بخاصة في الأغوار الشمالية، وإقرار القوانين التي تحد من معاقبتهم، ما انعكس في ارتكابهم المزيد من الجرائم في حق الفلسطينيين وممتلكاتهم، وفي تضييق الخناق على المدن والقرى بإقامة المزيد من الحواجز وتقسيم الضفة إلى ثلاثة كانتونات".
ورأى أن الحكومة الإسرائيلية لم تبق أيّ حق للفلسطينيين بإقامة دولتهم التي أصبحت في مهب الريح، فيما يتوهم السياسيون الفلسطينيون أنها قائمة منذ اتفاق أوسلو، رغم ما تم تحقيقه في المحافل الدولية من اعتراف أوروبي محدود".
أزمات السلطة
إضافة إلى كل ذلك، تابع أبو الرب، "توالت الأزمات التي لحقت بالحكومة الفلسطينية من احتجاز أموال الضرائب وتفاقم الأزمة المالية، والوضع الاقتصادي الصعب في ظل ارتفاع معدلات البطالة واستمرار فقدان العمال مئات فرص العمل، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والإغلاق المتكرر للأسواق والمدن بسبب الاجتياحات، وانقطاع رواتب الموظفين، وفقدان الدولار من الأسواق، وتحكم وزير المالية الإسرائيلي بتساليئيل سموتريتش بكل مقدرات السلطة، وصولاً إلى الأوضاع التي تشهدها مدينة جنين ومخيمها من أحداث مؤسفة بين الأجهزة الأمنية ومقاتلي الكتائب الفلسطينية، ما أثر بشكل سلبي على الشارع، وخلق أزمة جديدة ربما تستمرّ تداعياتها حتى بداية العام المقبل".
إلى ذلك، رأى الباحث وليد حباس، من المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن الحكومة الإسرائيلية الـ 37، أعادت صوغ طبيعة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وأحدثت تحولًا جذريًا في "دي إن آيه" منظومة الاحتلال، ومن أبرز التغيرات توقيع مذكرة تفاهم على تقاسم السلطة بين وزير الدفاع والوزير الإضافي في الوزارة بتسالئيل سموتريتش منحته صلاحيات غير مسبوقة في إدارة الشؤون المدنية المتعلقة بالمستوطنين، بينما بقيت القضايا الأمنية تحت إشراف الجيش. هذا التحول غيّر شكل الاحتلال المعروف بين الأعوام (1967-2022)، وبدأ بتفعيل منظومة جديدة لتشمل قسماً يخدم المستوطنين وآخر يعالج الشؤون الفلسطينية، ما أدّى إلى تكريس سياسات تمييزية ممنهجة.
إضافةً إلى ذلك، لعبت وزيرة الاستيطان والمهمّات الوطنية أوريت ستروك، دوراً مركزياً في تكريس هذه التحوّلات، إذ أشرفت على نقل وحدات ومسؤوليات متعددة إلى وزارتها، ما أتاح لها التحكّم بقسم التخطيط والمراقبة المرتبط بالاستيطان، وتوجيه موارد ضخمة لتوسيع المستوطنات وإنشاء بؤر استيطانية جديدة، بما في ذلك خطة بقيمة 75 مليون شيكل (ما يقارب 21 مليون دولار) لدعم "البؤر الزراعية"، شرح حباس.
التغييرات البيروقراطية لم تقتصر على إعادة توزيع الصلاحيات، بل تضمّنت إنشاء "إدارة الاستيطان" داخل وزارة الدفاع، لتصبح هذه الإدارة هيئة مدنية تدير شؤون المستوطنات بسلطة شبه مطلقة. فخلال عام 2024 تمّ بناء أكثر من 64 بؤرة استيطانية جديدة، وعشرات المزارع الرعوية، و"شرعنة" 5 مستوطنات جديدة.
العام الأصعب
رئيس حزب "التجمع الوطني الديموقراطي" في الداخل سامي أبو شحادة قال:"كان العام الأصعب منذ النكبة، حتى أن الأرقام تظهره عاماً أصعب بكثير من ناحية عدد الضحايا المباشرين وغير المباشرين لحرب الإبادة وجرائم الحرب وتدمير البنى التحتية وحجم الدمار في غزة، فهناك اضطهاد وجرائم يومية تُرتكب في حق الضفة والقدس والداخل الفلسطيني وهي أقسى بكثير ممّا حدث خلال النكبة".
وأضاف: "لا أعتقد أن الإنسانية شهدت في تاريخ الحروب التي مرت بها صموداً أسطورياً بهذا المستوى، هذا النفس المقاوم هو أملنا في بناء مستقبلٍ أفضل لأبناء شعبنا. وليس لدينا كفلسطينيين رفاهية اليأس أو الإحباط، فهي ليست مشروعاً سياسياً، بل إنّها تساهم في القضاء على أمال وطموحات شعبنا لذلك نتمسك بالأمل".