"انهالت علينا القذائف كزخات المطر ولم نعد نعلم أين نختبئ منها، لقد كتب الله لنا عمرا جديدا"، بهذه الكلمات وصف الصياد "أبو جميل" واقع الصيادين في قطاع غزة بعد أكثر من عام من بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.
الصياد أبو جميل كان قد تعرض لإطلاق نار من زوارق الاحتلال قبل نحو شهر، ما أدى لانفجار مركبته وبتر ثلاثة من أصابع يده يقول لـ"قدس برس"، اليوم الاثنين، "كنا على بعد عشرات الأمتار من شاطئ بحر القرارة، لم يكن هذا العمق بشكل أي خطر على بحرية الاحتلال، ومع ذلك ألقت هذه الزوارق عشرات القذائف بهدف قتلنا وإغراقنا، تسبب انفجار إحداها لتطاير شظايا أدت لبتر ثلاثة من أصابعي".
هذا وتشهد شواطئ قطاع غزة من أقصى شماله وحتى جنوبه قصفا يوميا لا يكاد يتوقف من بوارج وزوارق الاحتلال، التي تقوم بإطلاق النار والقذائف بشكل متعمد على الصيادين والأطفال الذين لم يجدوا سوى شاطئ البحر كمتنفس وحيد للهروب من ضغوط الحياة، والبحث على لقمة العيش.
خسائر قطاع الصيادين
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ارتقى المئات من الصيادين نتيجة القصف الذي تعرضت له مراكبهم أثناء تواجدهم داخل البحر لصيد السمك في إطار البحث عن مصدر غذاء لإطعام عائلاتهم التي أنهكها الجوع.
يشير نقيب الصيادين نزار عياش لـ"قدس برس"، "لقد تجاوز عدد الشهداء من الصيادين نحو 150 شهيدا، وأصيب ما يزيد عن ألف آخرين، كما دمر الاحتلال أكثر من 100 مركب آلي، ونحو 900 مركب كان يعمل بالتجديف اليدوي".
وتصل إجمالي الخسائر الأولية في قطاع الصيادين وفقا للمتحدث "لأكثر من تسعين مليون دولار، حيث دمّر الاحتلال المنظومة التشغيلية للصيادين بما فيها عشرات الورش، بالإضافة لاستشهاد العشرات من الحرفيين المسؤولين عن صيانة وتشغيل المركبات".
يشكل قطاع صيد الأسماك في غزة واحدا من أهم القطاعات التشغيلية، حيث كان يعمل في مهنة الصيد 3 آلاف صياد، بالإضافة لتوفير أكثر من ألف فرصة عمل أخرى لمهن مرتبطة بالصيد وتشغيل وصيانة مركبات الصيادين.
كما يعتبر السمك واحدا من أهم وجبات الطعام بالنسبة للغزيين، الذين يعتمدون عليه بشكل رئيسي في أطباقهم، نظرا لانخفاض ثمنه ووفرته طيلة أيام السنة.
إلا أن العدوان الحالي غير من واقع الصيادين بشكل جذري، حيث فرض الاحتلال حصارا بحريا على الصيادين منعهم من دخول البحر، كما تقلصت المساحة الممنوحة للتحرك داخل البحر لأقل من ربع ميل بحري (الميل البحري يساوي 1850 مترا).
يشير الصياد سهيل لـ"قدس برس"، "لا نستطيع الدخول للبحر سوى لمسافات قصيرة جدا، حيث نجري عمليات تمشيط للتأكد من عدم وجود زوارق أو طرادات بحرية يمكن أن تصل إلينا، وبعد ذلك نغامر ونبحر بشكل سريع لرمي شباكنا ثم العودة إلى الشاطئ والانتظار لساعات المساء لسحب ما تم اصطياده".
ومع ذلك يشير سهيل "لا نستطيع الصيد سوى كميات قليلة جدا، بعض المرات يمكن أن يحالفنا الحظ باصطياد خمسة كيلو غرامات، وفي مرات أخرى لا نجد شيئا نصطاده، وذلك لأن السمك لا يتواجد على الشواطئ بكثرة، بل يتواجد في أعماق ومساحات أوسع داخل البحر".
قليلة هي المرات التي بيعت فيها أسماك طازجة تم اصطيادها من بحر غزة، وفي المرات القليلة التي توفرت فيها بيع الكيلو الواحد منها بأكثر من ثلاثين دولارا.
ويعتمد القطاع على الأسماك المجمدة التي يتم استيرادها من الخارج كبديل لقلة توفر الأسماك الطازجة، إلا أن الاحتلال ومنذ فترة طويلة يرفض إدخالها للقطاع ما تسبب في مجاعة حقيقية تضرب بقوة في مناطق جنوب القطاع.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعوما من الولايات المتحدة وأوروبا، لليوم 416 على التوالي، عدوانه على قطاع غزة، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وخلّف العدوان أكثر من 148 ألف شهيد وجريح فلسطينيي، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.