شذا حجازي
في عالمنا اليوم، تواجه صحة المراهقين النفسية تحديات متزايدة، ويُعتبر دور شبكات التواصل الاجتماعي أحد العوامل الأساسية في هذه القضية. تختلف من حيث الشكل والوظائف، إذ إنها تقدم منصات متنوعة ومتعددة للمستخدمين، من دون تكلفة مالية. تقدم جميع المعلومات التي يبحث عنها الأفراد، ويستخدمها بشكل يومي ملايين المستخدمين. فكل موقع يتميز بسمات خاصة، مثل إنستغرام، فايسبوك، تيك توك، وسناب شات، وغيرها الكثير. حتى على مستوى التوجهات، تختلف كل شبكة عن الأخرى، مما يتيح تنوعاً في المحتوى والرسائل.
لكن المشكلة الحقيقية ليست في هذه المنصات نفسها، بل في المحتوى الذي يُقدم عليها، بخاصة المحتوى الموجه إلى المراهقين. هؤلاء الشباب يتابعون المحتوى من دون انقطاع وبشكل مستمر، مما يجعلهم عرضة لتأثيرات عميقة قد تغير طريقة تفكيرهم وسلوكهم. قد يكتسبون معلومات وأفكاراً لا تناسب أعمارهم، ويتحدثون في أمور تفوق نضجهم.
في الماضي، عندما لم تكن هذه المنصات موجودة، كان آباؤنا وأجدادنا يتعلمون المهارات والحرف من البيئة المحيطة. أما اليوم، فقد أصبح المراهقون وحتى الأطفال دون سن المراهقة، عرضة للتأثيرات السلبية نفسها التي تفرضها هذه المنصات.
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في تشرين الأول\أكتوبر 2024 بعنوان "أثر وقت الشاشة على جودة حياة المراهقين"، أن أكثر من نصف المشاركين (55.6%) يقضون أكثر من 10 ساعات يومياً أمام الشاشات. وكشفت عن ارتباط مباشر بين الاستخدام المفرط للشاشات وتدهور الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تراجع الأداء الأكاديمي. الوضع أصبح مقلقاً، إذ يغفل الأهالي عن تأثير هذه العادات، ويلجأ المراهقون إلى هواتفهم للتعامل مع أي مشكلة تواجههم. عندئذٍ، يصبح الهاتف وسيلة للهروب من الواقع، مما يؤدي إلى إيذاء النفس بشكل غير مباشر. وغالباً ما يتساءل المراهقون: "لماذا أشعر بهذا القلق المستمر؟ لماذا يلاحقني هذا الشعور الغريب؟". كل هذه الأحاسيس تنبع من تأثير اللاوعي، إذ تتراكم المشاعر السلبية من دون أن يعي الشخص ذلك.
رغم ذلك، يعتقد كثيرون أن شبكات التواصل الاجتماعي مفيدة بفضل ما تقدمه من معلومات وفرص للتواصل، وتطوير المهارات، وحتى إيجاد فرص عمل. صحيح أن الإيجابيات موجودة، لكن التركيز على الجوانب السلبية ضروري لفهم التأثير الكامل. السؤال هنا: إلى أي مدى يمكننا التغاضي عن التأثيرات السلبية، وإلى متى يمكننا تجاهلها؟
تتغلب سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان مثل: زيادة القلق والاكتئاب كالتصفح المستمر لساعات طويلة يؤدي إلى مقارنة المراهقين أنفسهم بالآخرين، مما يضعف ثقتهم بأنفسهم ويزيد من مشاعر القلق. انخفاض تقدير الذات كالإدمان على المحتوى المثالي الذي يُعرض على هذه المنصات يجعل المراهقين يطاردون معايير غير واقعية، رغم أن المثالية في الحقيقة مجرد وهم. التنمر الإلكتروني، كثيرون من الأهالي يغفلون عن خطورة التنمر الإلكتروني. على سبيل المثال، الفيلم الشهير "Megan Is Missing" يُبرز قصة ميغان، فتاة مراهقة تتعرض للخداع عبر الإنترنت، مما يؤدي إلى خطفها. القصة تسلط الضوء على مخاطر الثقة العمياء بالغرباء وأهمية الحذر عند التفاعل على الشبكات.
كيف يمكننا حماية المراهقين؟
لحماية المراهقين في عصر "السوشيل ميديا"، يجب أن نبدأ بتعزيز التوعية داخل الأسرة، إذ يلعب الأهل دوراً أساسياً في مراقبة المحتوى الذي يستهلكه أبناؤهم، مع الحفاظ على حوار مفتوح وشفاف حول تجاربهم الرقمية. إلى جانب ذلك، يأتي دور المدارس في تعليم التفكير النقدي ومساعدة الطلاب على تمييز الحقائق من الزيف، مما يحدّ من التأثيرات النفسية السلبية. يجب أيضاً تشجيع الأنشطة البديلة مثل الرياضة والهوايات التي تتيح لهم استثمار وقتهم بطريقة إيجابية. أخيراً، تكمن مسؤولية المجتمع في خلق بيئة آمنة تدعم الصحة النفسية للشباب وتحميهم من مخاطر العالم الافتراضي، ليعيشوا حياة متوازنة مليئة بالفرص والنمو.