أحدث موقف دونالد ترامب من حرب أوكرانيا هزّة ضمن حلف شمال الأطلسي، تدفع القادة الأوروبيين للمسارعة إلى الولايات المتحدة على أمل إنقاذ الحلف العسكري الغربي.
وسيجتمع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع ترامب على حدة في البيت الأبيض هذا الأسبوع في محاولة لإقناعه بدعم كييف.
لكن المخاوف تزداد في العواصم الأوروبية من أن الرابط الذي تأسّس على أنقاض الحرب العالمية الثانية بات على وشك الانهيار في وقت يسعى ترامب لمحاورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يرى كثيرون في ترامب رئيساً تخلّى عن الرؤية الأميركية التقليدية لنظام عالمي مبني على القواعد واختار بدلاً منها الخوض في لعبة تقوم على النزعات القومية والهيمنة إلى جانب موسكو وبكين.
تسبّب ذلك بحالة ذعر في القارة التي اعتمدت على التطمينات الأمنية الأميركية على مدى 80 عاماً.
وقال مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا لدى "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن ماكس برغمان لـ"فرانس برس ": "يهرع الأوروبيون لحل هذه المسألة".
"الضفة المقابلة للمحيط"
يصر ترامب من جانبه على أن كل ما يسعى إليه هو تحقيق السلام في أوكرانيا.
وقال للصحافيين في المكتب البيضوي الجمعة "أعتقد أنه سيتعيّن على الرئيس بوتين والرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي عقد اجتماع. لماذا؟ لأننا نريد وضع حد لقتل ملايين الناس".
لكن تبنّي ترامب خطاب الكرملين حيال أوكرانيا بما في ذلك عبر وصفه الرئيس الأوكراني بأنّه "ديكتاتور غير منتخب" وتحميله أوكرانيا مسؤولية الغزو الروسي عام 2022، أثار قلق أوروبا.
وما عزّز الشكوك أن ترامب يسدل الستار على عقود من الدعم الأميركي لأوروبا. ويخشى المسؤولون الأوروبيون أن ينصب اهتمام الولايات المتحدة في عهد ترامب، كما هو الحال بالنسبة لروسيا والصين، على مناطق نفوذها الأقرب إليها.
وفي انعكاس لذلك، قال ترامب في تعليقه على حرب أوكرانيا الجمعة "كما تعرفون، إنّها لا تؤثر على الولايات المتحدة كثيرا. تقع على الضفة المقابلة للمحيط".
وحتّى في ولايته الأولى، هدّد ترامب بالانسحاب من الناتو وطرح تساؤلات حيال سبب دفع الولايات المتحدة مبالغ ضخمة لإبقاء قواتها في أوروبا.
وبالتالي، يمكن للتوتّر أن يهيمن على اجتماعي ترامب مع ماكرون الإثنين ومع ستارمر الخميس.
وأفاد ماكرون بأنّه سيطلب من ترامب ألا يكون "ضعيفاً" حيال ملف أوكرانيا. وعرضت كل من بريطانيا وفرنسا إرسال قوات لحفظ السلام اذا تم التوصّل إلى اتّفاق لإنهاء الحرب، لكن ستارمر شدد على أهمية وجود دعم وضمانات أميركية.
من جانبه، اتّهم ترامب الزعيمين بـ"عدم القيام بشيء" لإنهاء الحرب على مدى السنوات الثلاث الماضية.
"لحظة خطيرة"
يدرك العديد من الأوروبيين أيضاً أنّهم قد يكونون أمام مرحلة صعبة.
وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي لـ"فرانس برس" أثناء "مؤتمر التحرك السياسي المحافظ" قرب واشنطن "نشهد الآن لحظة صعبة وخطيرة للغاية عندما تزداد الهوة أكثر بين طرفي أسرة الأطلسي".
وبالنسبة لنايجل غولد-ديفيز الخبير في شؤون روسيا وأوراسيا لدى "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" ومقرّه لندن، فإن ما يجري بعد "أزمة غير مسبوقة عبر الأطلسي".
وقال إنه "من خلال تفاوضها مع روسيا متجاوزة الأوروبيين وتدخّلها في السياسات الأوروبية، فإن الولايات المتحدة لا تفك ارتباطها فحسب، بل تقرّر عن أوروبا وتتسبّب باضطرابات فيها".
وبات السؤال الآن هو إن كانت أوروبا، بعد سنوات من الحديث عن الكيفية التي ستحتاج من خلالها لتحمّل مسؤولية أكبر عن أمنها إذا تطلّبت منها الظروف التحرّك، ستقوم بذلك فعلاً الآن.
وقال زير الخارجية الدنماركي لارس لوكي راسموسن لـ"فرانس برس" الأربعاء إن أوروبا "عليها القيام بأكثر من ذلك بكثير للدفاع عن أنفسنا، ولكن أيضاً لدعم أوكرانيا. لأننا في مرحلة حساسة للغاية من تاريخ العالم".
وحضّت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس الثلاثاء الولايات المتحدة على عدم السقوط في "أفخاخ" روسيا الساعية لتقسيم الغرب.
لكن بالنسبة للمحلّل برغمان، فيتعين أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار لأوروبا.
وقال "أعتقد أن ما يُطلب من أوروبا حالياً هو ليس مجرد بذل مزيد من الجهود، بل أن تتحرّك بشكل فاعل يسمح لها بالبروز، صراحة، كقوة عظمى".