عادات تقديم القهوه السعودية
عند دخولك إلى مجلس أو مناسبة سعودية، تستقبلك أولاً القهوة السعودية وهي تُصب ساخنة من "الدلة" في "الفنجال" السعودي التقليدي، محتفظة بمكانتها الخاصة في تراث وثقافة المملكة العربية السعودية.
إنّها ليست مصدراً للكافيين فحسب، بل هي أيضاً مصدر ثقافي وتراثي يفتخر به الشعب السعودي، من عادات وتقاليد ترافقه في كل لحظات حياته، بدءاً من تجمعات العائلة والأصدقاء، إلى المناسبات الرسمية والوطنية.
"القهوة السعودية رمزُ الكرم والضيافة في المجتمع السعودي، وجزء من الموروث الثقافي، الذي يعكس الأصالة والتقاليد"، وفق ما يقول عبدالعزيز العجلان، خبير القهوة السعودية، والمعتمد من قبل وزارة الثقافة، لـ "النهار".
اعتمدت تسمية "القهوة السعودية" بدلاً من "القهوة العربية" المتعارف عليها بين أغلب الدول الخليجية، في عام 2022، وذلك بطلب من وزارة التجارة السعودية، وتمّ اعتبار العام المذكور "عام القهوة السعودية".
مراحل صناعتها
ما الذي يميّز هذه القهوة التراثية؟
يكمن سرّ القهوة السعودية في مكوّناتها التي يذكرها العجلان: البن الأخضر السعودي، والهيل، والزعفران، إضافة إلى المكونات الاختيارية، مثل المسمار (القرنفل) أو الزنجبيل. ولونها الفاتح، وطريقة تقديمها الخاصة، التي تُعدّ من "الطقوس الاجتماعية" المهمّة في المناسبات.
قبل أن تقدّم بنكهتها المميزة للضيوف، تمرّ القهوة السعودية في مراحل وخطوات عدة، بدءاً من زراعتها في مناطق سعودية معيّنة مثل جازان، في جبال الدائر، والتي تتميز بزراعة "البن الخولاني"؛ ومنطقة عسير التي تتميز بالبيئة الجبلية المناسبة لزراعة البن، وصولاً إلى مدينة الباحة.
ونظراً إلى كبر مساحة المملكة وتميّز كل منطقة فيها بذوق خاص، تختلف طرق تحضير القهوة بين منطقة وأخرى، فيقول العجلان إن "الاختلاف الأوّل يكون في درجة تحميص حبيبات البن، إذ كلما اتجهنا شمالاً تميل "الحمصة" إلى السواد. وكلما اتجهنا إلى الجنوب، تميل "الحمصة" إلى لونٍ فاتح، وأكثر بياضاً"، مشيراً إلى المطيبات الإضافية التي تختلف بين المناطق أيضاً، مثل الهيل والزعفران والمسمار والقرنفل، والزنجبيل.
المرحلة الأقرب إلى قلوبنا
يشرح العجلان، وهو مقيّم معتمد من "الجمعية العالمية لجودة القهوة"، مرحلة إعداد القهوة السعودية: "يُحمص البن في أداة إسطوانية مجوفة، تسمى "المحماص"، من 10 دقائق إلى 20 دقيقة تقريباً، للوصول إلى درجة اللون المطلوبة. بعد ذلك، نبرّد البن في إناء خشبي، نسمّيه "المبرد"، حيث يُحرك دائماً إلى أن تتطاير القشور، ثم نضعه فوراً في "النجر"، وهي مدقة خشبية أو حديدية أو نحاسية، لطحن حبوب القهوة".
يضيف: "نضع البن على النار في إبريق نسمّيه "مزل"، وله أسماء أخرى كثيرة. يطبخ تقريباً لمدة تتراوح ما بين 10 دقائق إلى 20 دقيقة، ثم يضاف الهيل في آخر دقيقتين أو 3 دقائق. بعد إضافة الهيل، نزيد القليل من الزعفران. ويختلف ذلك من منطقة إلى أخرى، إذ يضيف البعض الزعفران، وآخرون المسمار (القرنفل)".
وفي المرحلة الأقرب إلى قلوب السعوديين، تصبّ القهوة السعودية في الدلة، بعد 20 دقيقة تقريباً من رفعها عن النار. تقدّم للضيوف في "فناجيل" صغيرة. وبحسب التقاليد لا يُملأ الفنجال إلى آخره، ولا تكون الكمية قليلة، يوضح العجلان.
وإلى جانب القهوة، يُقدّم التمر بجميع أنواعه، ويمكن تقديم معمول أو حلويات لتكسر من مرارة القهوة.
تفضل "تقهوَ"
لتقديم القهوة السعودية للضيوف شروط وعادات خاصة ينبغي ذكرها. يتولى أحد أبناء صاحب البيت، والأفضل أن يكون الأصغر سناً، صبّ القهوة. ولوضعية جسمه دور مهم في هذه العملية، إذ يجب أن يكون الجسم مستقيماً، وغير منحنٍ.
ويكون التقديم بدءاً من الضيف الأكبر سناً، إلى أن يصل للمجلس بأكمله. وعند مدّ الفنجال للضيف، يذكر المضيف بعض الكلمات، مثل: "سّم" أي (باسم الله)، "تقهوَ"، أو "تفضّل".
يؤكد خبير القهوة السعودية أن العادات التي يتبعها الضيف عند الاكتفاء من القهوة، هي "مدّ الفنجال وهزّه، للإشارة إلى أنه اكتفى من تناول القهوة".
الضيف الذي لا يشرب القهوة؟
يقول العجلان لـ "النهار": "إذا أتى الضيف وفي نيته طلب ما، لا يشرب القهوة، بل يضع الفنجال على الأرض، بمعنى: "لن أشرب هذا الفنجال إلا بعد تنفيذ طلبي هذا". ثم يذكر الطلب، فيقول المضيف له: "تمّ" أو "أبشر"، أو يلبي طلبه، فيشرب الضيف القهوة".