بعد انقطاع وصول المساعدات الإغاثية بفعل قيام الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية برية في محافظة شمال قطاع غزة، بدأت مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يجد من تبقى من سكان المحافظة أنفسهم مضطرين إلى الصيام أو تناول الفتات من الطعام.
ولم يعد بمقدور سكان شمال القطاع أن يختاروا أصناف طعامهم، حيث يفرض الحصار والمجاعة الناتجة عنه صنفاً واحداً من الطعام هو "الزعتر"، إلى جانب شرب الماء الملوث.
يقول محمد الفار (39 عاماً) الذي لا يزال يكابد معاناة الحصار في بلدة بيت لاهيا شمال غرب القطاع، إنه يعاني الأمرين نتيجة عدم توفر الطعام والافتقاد إلى الدقيق، مؤكداً أن ما يزيد الأمر تعقيدا هو عدم القدرة على الانتقال من مسكنه إلى آخر بحثاً عن طعام أو شراب بسبب استهداف الطيران لأي جسم متحرك على الأرض.
حال المواطن الفار هو حال المئات من الأشخاص الذين لايزالون محاصرين في شمالي قطاع غزة، بينهم أطفال ونساء وكبار سن.
ولا يوجد أفق لقرب انتهاء العملية العسكرية في تلك المنطقة، الأمر الذي ينذر بحتمية وقوع المجاعة في شمال غزة. وبخاصة أن الجيش يمنع مواصل الجهود الإغاثية بما في ذلك أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بما يعيق وصول المساعدات الغذائية إلى السكان.
على ضوء ذلك، أصدرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إنذارا أعربت فيه عن قلقها إزاء "الاحتمال الوشيك والكبير لحدوث المجاعة، بسبب الوضع المتدهور بسرعة في قطاع غزة".
وقال مدير تحليل الأمن الغذائي والتغذية لدى برنامج الأغذية العالمي جان مارتن باور، إن هناك احتمالا قويا أن المجاعة "تحدث أو أنها وشيكة" في أجزاء من شمال غزة نتيجة للنزوح على نطاق واسع، وانخفاض التدفقات التجارية والإنسانية إلى غزة، وتدمير البنية الأساسية والمرافق الصحية والوضع الصعب المتعلق بعمل الأونروا. وشدد على أن تصريحات لجنة المراجعة "نادرة جدا، لذا فإن هذا الأمر يستحق الاهتمام".
وقال باور إن برنامج الأغذية العالمي شهد "انخفاضا كبيرا في عدد الشاحنات التي تدخل غزة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر"، مشيرا إلى أن 58 شاحنة فقط تدخل يوميا، مقارنة بنحو 200 شاحنة خلال الصيف، ومعظم الشاحنات التي دخلت كانت تحمل مساعدات إنسانية.
وقال إن انخفاض تدفقات المساعدات أدى إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية في شمال غزة خلال الأسابيع الماضية، وهي الآن "أعلى بنحو عشرة أضعاف مما كانت عليه قبل اندلاع الصراع". وأضاف أن هذا الإنذار بمثابة تذكير بأن "أعين العالم يجب أن تكون على غزة، وأن التحرك مطلوب الآن".
وشددت اللجنة على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية - خلال أيام لا أسابيع - من قبل جميع الأطراف المشاركة بشكل مباشر في الصراع أو تلك التي تتمتع بنفوذ على سير الصراع، لمنع وقوع هذا الوضع الكارثي والتخفيف منه.
في المقابل، نشر منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية على فيسبوك منشوراً قال فيه، إنه وبناء على إيعاز المستوى السياسي، دخلت الخميس 7 نوفمبر الحالي، 11 شاحنة تحتوي على مواد غذائية ومياه ومعدات طبية إلى شمال القطاع ضمن عملية تنسيق تكتيكية.
غير أن سكان شمال قطاع غزة، ينفون صحة تلقي أي مساعدات في الأيام الأخيرة. وتقول أمنة سليم (27 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال تقيم في منطقة جباليا شمال القطاع، إنها لم تحصل على أي من المساعدات منذ بدء العملية العسكرية الأخيرة (أي منذ 37 يوماً).
تشير السيدة سليم التي تتولى مسؤولية إدارة شؤون مسكنها تعيش رفقة أسرة الزوج بعد ارتقاء الأخير خلال الحرب الدائرة منذ 13 شهراً، لم يعد هناك ما نأكله بعدما نفذ مخزون المعلبات والبقوليات والخضار، فضلا عن أننا محرومون من شرب المياه المحلاة.
إزاء ذلك، وعلى موقع إكس، قالت سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي: "تأكد ما هو غير مقبول: من المرجح أن المجاعة تحدث أو على وشك الحدوث في شمال غزة. لابد من اتخاذ خطوات فورية للسماح بتدفق آمن وسريع ودون عوائق للإمدادات الإنسانية والتجارية لمنع وقوع كارثة شاملة".
وفي هذه الأثناء، نشر على صفحة أخبار الأمم المتحدة، أن الأخيرة قدمت وشركاؤها خدمات لعشرات الآلاف من الفلسطينيين في مدينة غزة، بما في ذلك أولئك الذين نزحوا خلال الأسابيع الأربعة الماضية من شمال غزة المحاصر.
وقد تمكن أحد الشركاء المحليين للمنظمة الخميس الماضي، من جمع النفايات الصلبة التي تراكمت على طول شارع طارق بن زياد، في حين يقدم شركاء آخرون جلسات دعم الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي في جميع أنحاء المدينة.
لكن المتحدثة المساعدة باسم الأمم المتحدة ستيفاني تريمبلي قالت إن ما يستطيع المجتمع الإنساني تقديمه "أقل بكثير من الاحتياجات الهائلة في غزة"، وأضافت أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية كرر دعوته إلى تقديم الإغاثة الإنسانية السريعة وبدون إعاقات إلى داخل القطاع وعبره.
وقالت للصحفيين في نيويورك: "يتطلب القانون الدولي الإنساني أن يتمكن المدنيون من الوصول إلى الضروريات التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة، وهي الغذاء والمأوى والرعاية الطبية وغيرها من المساعدات الحيوية. كما يؤكد زملاؤنا في مجال العمل الإنساني على ضرورة حماية المدنيين في الشمال وجميع أنحاء غزة".