على مدار أكثر من 80 يومًا، تواصل جباليا كتابة التاريخ بدماء أبنائها وتسطر أسمى آيات المقاومة في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بالسلاح والمدعوم عالميا، ليشكل المخيم المدمر رعبًا وكابوسًا يطارد الغزاة بكل زقاق وشارع.
في مخيم جباليا الذي لا تزيد مساحته عن كيلو متر مربع واحد، لا تمر ساعة دون إعلان من كتائب القسام تفجير وكمين وقنص واستدراج للجنود، وصولا للطعن بالسكين والتفجير بالأحزمة الناسفة، في أسلوب متجدد أرعب الاحتلال واقض مضاجعه.
في هذه الأيام تتألق جباليا بنسائها وشيوخها وأطفالها، متوشحين بالثبات والشموخ والكبرياء والصبر، ويتعملق رجالها وشبابها قتلاً وجرحاً وطعناً وتفجيرًا واشتباكاً في صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي، رافعين شعار "نحن لن نستسلم.. ننتصر أو نموت".
المخيم الذي كان عنوان الانتفاضة الأولى، اليوم هو عنوان هذه الحرب من خلال عمليات المقاومة المتنوعة التي رفعت كلفة قتلى جيش الاحتلال إلى 60 جنديًا وضابطًا والعدد قابل للزيادة في ظل إرادة متشبثة بأرضها.
"استبسال تاريخي"..
المحلل العسكري أحمد عبد الرحمن قال إن عمليات الالتحام المباشر بجنود الاحتلال التي نفذها عناصر من كتائب القسام في جباليا شمال قطاع غزة وآخرها العملية الاستشهادية، هي خيار تكتيكي مهم لجأت إليه المقاومة بسبب ظروف الميدان.
وأضاف عبد الرحمن، في تصريح صحفي لوكالة "شهاب" للأنباء، أن التحام المجاهدين عن قرب بقوات الاحتلال يزيد من نجاعة ضرباتهم وتأثيرها في جنود العدو وقادتهم، وتؤثر بشدة على معنوياتهم.
وأوضح أن، ما يجري في شمال قطاع غزة من عمليات مقاومة، معجزة بكل ما للكلمة من معنى، وهذا استبسال تاريخي لم يسبق له مثيل رغم كل المعارك الكبيرة التي جرت في قطاع غزة.
وتابع، بإمكاننا القول إن معركة شمال غزة تعد أقوى معركة تخوضها المقاومة ضد الاحتلال، خاصة في ظل الحصار المشدد وندرة الإمكانيات، وبالتزامن مع وقت وطول العملية والدمار الكبير.
وأكد عبد الرحمن أن المقاومة تخوض الآن معركة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، وستسجل في قاموس العز والشرف للشعب الفلسطيني.
وذكر أن هذا النوع من العمليات عمل به في كثير من مسارح العمليات في العالم، وهو يعتمد على ثلاثة محاور مهمة، وهي الجغرافيا، والعنصر البشري، والامكانيات.
وأوضح عبد الرحمن أن الجغرافيا العمرانية في شمال غزة تقلصت بشكل كبير بسبب حجم الدمار الكبير الذي أحدثه جيش الاحتلال، وهو ما عقد من حركة واختفاء المقاومين، لذلك لجأ المقاومون للتحرك بشكل انفرادي أو مجموعات ثنائية على أعلى تقدير، بسبب سهولة اكتشاف حركتهم في مجموعات كبيرة في ظل انتشار طائرات الاحتلال.
السلاح الأمضى
ومن جانبه، علق المحلل العسكري واصف عريقات على العمليات الفردية الأخيرة التي نفذها مقاتلون من كتائب القسام في جباليا شمال قطاع غزة وآخرها العملية الاستشهادية، بالقول، إن هذه العمليات تؤكد بالدليل القاطع أن المقاومة الفلسطينية لا يمكن لها أن تتراجع في التصدي للاحتلال الاسرائيلي مهما كانت التضحيات.
وقال عريقات في تصريح صحفي خاص لوكالة "شهاب" للأنباء، إن هذا النوع من العمليات وهو التضحية بالنفس هو السلاح الأمضى بيد المقاومين الفلسطينيين وهو السلاح الفعال أيضًا في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وبين أن هذه العمليات تحتاج الى بسالة عالية، إضافة إلى الشجاعة والمهارات الميدانية والكفاءة القتالية العالية، وهي مؤشر واضح على أن المقاومة لا زالت قوية وموجودة، ومعنويات المقاومين مرتفعة.
وذكر عريقات أن هذا السلاح يحدث قلقًا وارباكًا كبيرًا في صفوف الجنود والضباط الإسرائيليين، ويجعلهم في حالة من التوتر الدائم والمستمر.
وأشار إلى أن لجوء المقاومة الفلسطينية لاستخدام هذه الأساليب من العمليات الفردية والاستشهادية هو تمادي العدو الصهيوني وايغاله في الدم الفلسطيني وارتكابه مزيد من الجرائم والمجازر والإلقاء بجامين الشهداء للكلاب من اجل أن تنهشها.
وتابع عريقات، أمام هذه الجرائم كان لابد من الانتقال الى هذه المرحلة من العمليات للتأكيد للعدو الصهيوني بأنه يستطيع أن يرتكب مجازر بحق الشعب الفلسطيني، ولكن في الوقت ذاته فإن المقاومة الفلسطينية قادرة على أن تختار الأسلوب في الزمان والمكان المناسبين.
رسالة إلى نتنياهو
ومن جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد العيلة، إن تكثيف عمليات المقاومة في ميدان القتال في شمال غزة، مع زيادة ملحوظة عن وتيرتها السابقة كمّا ونوعًا، يأتي بالتزامن مع معركة سياسية حامية الوطيس لإنجاز اتفاق يُفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار.
وأوضح العيلة خلال تدوينة له، أن هذه العمليات التي ينفذها شباب المقاومة في جميع أنحاء قطاع غزّة مؤثرة في سياق منع نتنياهو من إطالة أمد الحرب.
وبين أن هذه العمليات التي جاءت في الوقت الأخير هي للضغط على نتنياهو للذهاب لصفقة ووقف الحرب، موضحًا أن استمرار العمليات يعني استنزاف جيش الاحتلال بشكل كبير.
وأثارت عمليات كتائب القسام في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة هذا الأسبوع، فخر واعجاب المواطنين الفلسطينيين والعرب، والتي كان آخرها عملية طعن جنود وتحرير أسرى فلسطينيين في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.
وفي التفاصيل، أعلنت القسام، عن تمكن عدد من مجاهديها من طعن وقتل 3 جنود صهاينة كانوا في مهمة حماية مبنى تحصنت به قوة صهيونية، ومن ثم اقتحموا المنزل وأجهزوا على كافة أفراد القوة الصهيونية من مسافة الصفر واغتنموا أسلحتهم.
وأشارت الكتائب، إلى أن المقاومين تمكنوا من إخراج عدداً من المواطنين الذين احتجزهم الاحتلال داخل المنزل في مشروع بيت لاهيا شمال القطاع.
وما زالت كتائب القسام تفاجئ جنود الاحتلال الإسرائيلي بأساليب جديدة في عملياتها النوعية منذ بدء "طوفان الأقصى" بلا كلل أوملل وبوتيرة متصاعدة. وهذا مستمر في شمال قطاع غزة المحاصر والمستهدف بكل أشكال الإبادة الجماعية.
ويوم الجمعة الماضية، أعلنت كتائب القسام، تفاصيل تنفيذ أحد المجاهدين عملية أمنية معقدة بمخيم جباليا شمال قطاع غزّة. وقالت الكتائب، إن أحد مجاهدي القسَّام فجر نفسه في قوة صهيونية في جباليا، مما أوقع عددًا من الجنود قتلى وجرحى.
وأوضح المصدر، أنه وبعدما أجهز مقاوم على قناص إسرائيلي ومساعده من مسافة صفر في مخيم جباليا، ظهر اليوم، وبعد ساعة من الحدث، تنكر نفس المقاوم بلباس جنود الاحتلال، واستطاع الوصول لقوة مكونة من 6 جنود، وتفجير نفسه بواسطة حزام ناسف بهم، فأوقع الجنود بين قتيل وجريح، مؤكدًا على أن العملية الاستشهادية أوقعت أفراد القوة الصهيونية بين قتيل وجريح.
والخميس، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المُقاومة الإسلامية حماس، أن أحد مجاهديها تمكّن من طعن ضابطٍ صهيوني و3 جنود من نقطة الصفر في مخيم جباليا شمال قطاع غزّة.
وأكدت أن المجاهد تمكّن من الإجهاز على الضابط والجنود الثلاثة، واغتنام أسلحتهم الشخصية في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
وتعتبر هذه العمليات الأولى خلال حرب الإبادة الجماعية، التي تستخدم فيها المقاومة السلاح الأبيض من مسافة صفر، ضد جنود الاحتلال.