463 يومًا، ولا تزال حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية مستمرة بحق سكان قطاع غزة. واجهت خلالها المرأة الغزية تحديات هائلة من استهداف مباشر، تهجير قسري، وفقدان الحياة، الزوج، الأبناء، البيت، والعمل. إلا أن دورها البارز ظهر كأحد أهم مكونات مشهد الصمود الغزي، لتصبح أيقونة للصمود والنضال.
فرضت حرب الإبادة الإسرائيلية على النساء الغزيات شكلاً جديدًا من الحياة، حيث تجاوزت أدوارهن الأمومة والرعاية لتشمل تقمص أدوار رجالهن الذين جعلتهم الحرب إما شهداء، أو أسرى، أو مطاردين، أو في عداد المفقودين.
منذ بدء الحرب على قطاع غزة، ارتقى 57,136 شهيدًا ومفقودًا، بينهم 12,298 شهيدة من النساء.
"صمود وثبات"
"عنا قماش نكفن فيه أولادنا، لكن ما عنا قماش نرفع فيه رايات بِيض"؛ بهذه الكلمات استقبلت أم مالك بارود، الملقبة بـ"خنساء فلسطين"، نبأ ارتقاء ابنتها الوحيدة، الخامسة شهيدةً في قصف إسرائيلي استهدف أحد مراكز الإيواء بمدينة غزة مؤخرًا.
خلال عام واحد، فقدت أم مالك بارود خمسة من أفراد أسرتها: أربعة أبناء ذكور، وابنتها الصحفية حنان بارود، التي كان من المقرر أن تحتفل باجتيازها مرحلة الدكتوراه بعد أسبوع من استشهادها، في حين لا يزال زوجها مفقودًا.
رغم الآلام التي كسرت قلبها، تقول أم مالك بإيمان راسخ: "الشهادة فرحة، يرفعني الله بها في الجنة مع كل ولد أقدمه من أجله". وتضيف: "يسعى البعض إلى تجريدنا من أمومتنا ومشاعرنا، لكننا كجميع الأمهات في العالم، ما يشغلنا هو بناء جيل يواجه الاحتلال ويحمي الدين والوطن".
وأكملت أم مالك: "علمت أبنائي أفضل تعليم، وربيتهم على كتاب الله وسنة نبيه الكريم، ثم قدمتهم لأجل كرامة أغلى وطن".
"خريجة تقود مدرسة"
دعاء قديح، خريجة اللغة الإنجليزية وطالبة الماجستير، 24 عامًا، رسمت صورة أخرى من نضال المرأة الفلسطينية. تمكنت من تأسيس مدرسة مؤلفة من ستة فصول تضم 500 طالب، بعد أن بدأت مبادرتها الفردية بتعليم 40 طفلًا نازحًا.
أطلقت قديح اسم "مدرسة السلام والحرية" على مدرستها، التي احتوت 500 طالب نازح في دير البلح وسط قطاع غزة. وعلى مدار شهور من النزوح والحياة القاسية، نجحت في تحويل مشاعر الفقد والذكريات المؤلمة إلى أحلام جميلة ومستقبل واعد.
بفخر تقول قديح: "أقوم بعملي هذا تطوعًا، وأنا فخورة لأني رفضت السفر وقررت مواصلة طريقي من أجل غزة وأطفالها". ساعدها إخوتها الحاصلون على شهادات في الإرشاد التربوي والنفسي من خلال إعداد خطط للتعامل مع أطفال الحروب، ومحاولة استعادة ثقتهم بأنفسهم عبر مواجهة الخوف وكسر حواجزه.
"أعمال شاقة"
تجلس هناء أبو مسعود، 48 عامًا، النازحة من مدينة غزة، أمام فرن طين لإعداد الخبز لنحو 30 فردًا من عائلتها وأقاربها، في ظل نقص المواد الأساسية.
تواجه هناء مشقة كبيرة في إشعال النار بالحطب، مسبوقة بتقطيع الأخشاب وجمع الأوراق، بمساعدة أطفال العائلة. تزداد معاناتها مع إصابتها بحساسية صدرية، لكنها تخبز حوالي 100 رغيف يوميًا لإطعام هذا العدد الكبير من النازحين.
تقول هناء: "الاحتلال هجرنا من بيوتنا وفرض علينا هذه الحياة الصعبة. نحن مجبرون على التحمل حتى نعود إلى منازلنا". وتتمنى أن تأتي اللحظة التي يُعلن فيها وقف الحرب، ليعود النازحون إلى بيوتهم، ويبدؤون حياة جديدة في ظروف أفضل.
"رسوخ الجبال"
تقول الكاتبة والباحثة الفلسطينية، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رانية نصر، إن هذا الصمود يعود إلى التنشئة السليمة والتربية الراسخة كرسوخ الجبال، عبر سنوات طويلة من الإعداد والتزكية.
وتضيف نصر: "المرأة الفلسطينية استطاعت أن تكون قدوة للنساء، في صلابتها وعزيمتها وإصرارها على مواصلة الطريق رغم اشتداد البلاء".
وأوضحت أن المرأة الفلسطينية تعاني الفقد والحزن والقلة، بعد أن أجبرها الاحتلال على النزوح إلى حياة الخيام، بلا غذاء أو دواء.
وأضافت: "في ظل هذه المأساة، تكابر نساء غزة على جراحهن وأحزانهن من أجل توفير القليل لأبنائهن. رأينا كيف تحاول الأمهات إدخال الفرحة إلى قلوب الأطفال".
وأكدت نصر على ضرورة إنقاذ المرأة الفلسطينية من آلة الاحتلال، وفضح جرائمه بحقها، والتوعية بحقوقها، والكفاح من أجلها، وفضح ازدواجية المعايير الدولية لحقوق المرأة.