تواصل الفصائل السورية المسلّحة تقدمّها من شمال سوريا باتجاه العمق، وبعد السيطرة الكاملة على إدلب وحلب وحماة، وصلت الفصائل إلى مشارف حمص، والتي يقول خبراء ومراقبون إنها ستكون "أم المعارك" نسبةً لأهميتها الجيوسياسية بالنسبة للفصائل والحكومة السورية على حدٍ سواء، وستكشف عن مسار الحرب في الفترة المقبلة، خصوصاً أنها قريبة من العاصمة دمشق، وتبعد عنها 150 كيلومتراً.
لحمص رمزية وأهمية واسعة، فبالدرجة الأولى، وانطلاقاً من موقعها الجغرافي، فإن المدينة تقع في العمق السوري وتُشكّل الرابط الوحيد المتبقّي للحكومة بين الساحل، طرطوس خاصة، والعمق، أي دمشق. وسيطرة الفصائل على شمال غرب حمص يعني قطع الطريق وعزل الساحل السوري، ما سيشكّل ضربة عسكرية قوية للحكومة السورية.
الصحافي السوري حيدر مصطفى يتحدّث عن أهمية حمص، ويقول إن "السيطرة عليها تعني السيطرة على وسط البلاد من الحدود العراقية نحو الحدود مع لبنان، وفيها معابر هامة جداً من المنطقتين الشرقية والغربية مع البلدين المذكورين، وبالتالي من يسيطر على حمص يسيطر على عقدة وسط سوريا السياسية والاقتصادية والتجارية ونقاط المواصلات المهمة". وإذ يستبعد سيطرة الفصائل المسلّحة عليها، لكنّه يقول إذا حصل ذلك فإنها "ستُصبح على مشارف ريف دمشق".
وتُعتبر حمص ثقلاًُ سياسياً وعسكرياً بالنسبة للحكومة السورية، ووفق المعلومات والتقارير، في حمص مجمع الكليات العسكرية، والفرقة 11 والفرقة 18 المتخصّصة بالدبابات، وقيادة المنطقة الوسطى، كما ثمّة انتشار للفصائل الإيرانية أيضاً، وسيطرة الفصائل على هذه المواقع ستعني مُصادرة كميات من الأسلحة والذخائر والآليات، وهذا سيمنحها أفضلية عسكرية إضافية.
مصدر ميداني يتحدّث عن أهمية حمص لـ"النهار"، ويُضيف على النقاط المذكورة سلفاً ليقول إن دخول الفصائل المسلّحة من جهة الشمال والشمال الغربي قد يُعيد تنشيط خلايا "داعش" الموجودة في البادية، أي شرق حمص، وسيجد التنظيم "فرصة ذهبية" لإعادة إحياء نفسه، وعندها قد تطبّق الفصائل المسلّحة و"داعش" كمّاشة على القوات الحكومية السورية، لكن هذا الأمر غير مضمون في ظل انفصال "داعش" عن "هيئة تحرير الشام"، ومُحاولة الأخيرة اعتماد خطاب سياسي "أكثر اعتدالاً".
لسيطرة الفصائل على حمص أهمية معنوية أيضاً، وفق ما يقول المصدر الميداني لـ"النهار"، فحمص أكبر المحافظات السورية، والسيطرة عليها كما حصل في حماة وحلب وإدلب "سيؤدي إلى تراجع معنويات عناصر الجيش السوري، وسيضرب ثقة الحاضنة الشعبية بالحكومة السورية، خصوصاً في دمشق، ما سيشكّل عاملاً سلبياً للحكومة السورية. لكن مصطفى يرى أن متغيرات الميدان "لا تؤثّر" على معنويات الجيش السوري الذي يُقاتل "وفق تكتيكاته طيلة 13 عاماً دون تبدّل المعنويات".
ويتطرّق المصدر إلى أبعاد سياسية ميدانية مرتبطة بخريطة سوريا الجديدة، ويلفت إلى أن سيطرة الفصائل المسلّحة عليها تفتح الباب نحو تقسيم سوريا لثلاثة أقاليم سنية وعلوية وكردية، وستكون المنطقة الشمالية في سوريا هي الإقليم السنّي.
وبعيداً عن العوامل السياسية والعسكرية، فإن لحمص أهمية اقتصادية يُشير إليها مصطفى الذي يقول إن هناك "ثروات طبيعية ونفطية كثيرة في هذه المنطقة التي تُعد مصدراً مهماً للفوسفات أيضاً".
أهمية استثنائية لـ"حزب الله"
بالدرجة الثانية، فإن حمص على حدود لبنان، والمنطقة الحدودية تحت سيطرة "حزب الله"، ووفق بعض التقارير، فإن ثمّة غرف قيادة للحزب في حمص ومواقع عسكرية عدة بينها مخازن أسلحة، وتحديداً في منطقة القصير منذ عام 2013. كما أن حمص تُعتبر معبراً رئيسياً لسلاح "حزب الله"، وبالتالي فإن المعركة غرب حمص قد لا تقتصر على الفصائل السورية والقوات الحكومية، والحزب قد يكون لاعباً محورياً.
في هذا السياق، يكشف مصدران أمنيان لبنانيان كبيران لـ"رويترز" أن "حزب الله" أرسل عدداً صغيراً من "القوّات المشرفة" من لبنان إلى سوريا بهدف المساعدة في منع مقاتلي المعارضة من الاستيلاء على مدينة حمص، فيما قال ضابط من الجيش السوري ومسؤولان من المنطقة تربطهما صلات وثيقة بطهران إن قوات نخبة من "حزب الله" عبرت من لبنان خلال ليل الخميس واتّخذت مواقع في حمص.
وفي الإطار نفسه، ولمنع "حزب الله" من نقل العناصر والسلاح من لبنان إلى حمص، قصفت إسرائيل معبرَين حدوديَّين يربطان سوريا ولبنان في البقاع شرق لبنان، وعكار شمال لبنان، وقطعتهما.
وأفاد وزير النقل والأشغال العامة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال علي حمية بأنّ غارات إسرائيلية في ساعة مبكرة من صباح اليوم الجمعة أصابت معبرين حدوديين يربطان لبنان بسوريا، مُشيراً إلى أن الغارات استهدفت الجانب السوري من الحدود ومعبرَي العريضة وجوسيه، في شمال لبنان وشرقه.
الجيش اللبناني أيضاً لم يغب عن مستجدات حمص، ووفق المعلومات، فإن فوج الحدود البري الثاني في البقاع الشمالي يضاعف جهوده لمواجهة تداعيات هذا الوضع على الأمن الداخلي اللبناني. ويعمل الجيش على تشديد قبضته على المعابر غير الشرعية، خوفاً من احتمال أن تشهد المنطقة موجة جديدة من النزوح السوري، ما سيرفع من وتيرة تجارة تهريب البشر، وتسلل الخارجين عن الشرعية أو ممن ينتمون لتنظيمات إرهابية.
إذاً، لحمص أهمية جيواستراتيجية بالنسبة للحكومة السورية والفصائل المسلّحة على حدٍ سواء، ومن غير المرتقب أن يكون سقوطها سهلاً ومشابهاًَ لحلب وإدلب وحماة، لكن المفاجأة هي سمة العمليات العسكرية شمال سوريا، والميدان قد يفرز ما هو خارج كل التوقعات.