تواجه السيدة الفلسطينية سهيلة عبد الواحد (41 عاماً)، من سكان جنوب قطاع غزة، أزمة صحية معقدة، فهي حامل في شهرها الخامس والجنين يبدو حالته غير مستقرة، فيما أنها تفتقد للرعاية الصحية اللازمة.
تقول السيدة عبد الواحد إنها لا تستطيع الحصول على الرعاية الطبية اللازمة في المشافي نظراً لنفاذ العلاج وانعدام الرعاية، تزامناً مع الأوضاع الأمنية الخطرة التي يعطى فيها الأولوية للجرحى والمصابين جراء القصف المستمر على جنوب القطاع.
في يوم الصحة العالمي، الذي يُفترض أن يكون احتفالًا بالحق في العيش بكرامة، تتحول غزة إلى جحيم لا يُطاق بالنسبة للأطفال والنساء على حد سواء.
هنا، حيث يُولد 130 طفلًا يوميًا، يصبح "الحق في الصحة" مجرد حلم بعيد المنال بالنسبة للمئات من النساء اللواتي يواجهن تحدي انعدام الخدمات الصحية بفعل الحرب وتداعياتها على القطاع الصحي.
الأرقام الرسمية لمنظمة الصحة العالمية تقول إن أكثر من 500 طفل و270 امرأة قُتلوا منذ 18 آذار/مارس الماضي (انهيار وقف إطلاق النار)، لكن وراء كل رقم قصة إنسان لم يُكتب له أن يعيش.
ولادات في ظل الموت
"كان يجب أن يكون اليوم أسعد أيام حياتي"، تقول أم محمد (32 عامًا)، التي وضعت طفلها في خيمة مكتظة بعد نزوح قسري عن مسكنها في شمال قطاع غزة. طفلها وُلد ناقص الوزن، بلا حاضنة أو أكسجين. "لم يستطع الصراخ حتى.. مات بعد أقل من 60 دقيقة".
تقول السيدة أم محمد إن الظروف لم تسعفها للانتقال إلى المشفى ووضعت طفلها داخل الخيمة بمساعدة جاراتها في المخيم، وإنها بالكاد تحملت آلام المخاض في ظل غياب الرعاية الطبية، فضلاً عن الخوف الذي كان يتملكها بالتزامن مع الغارات الجوية.

وفق منظمة الصحة العالمية، 27% من الولادات في غزة قيصرية، و20% من المواليد يعانون من نقص الوزن أو مضاعفات تهدد حياتهم. لكن النظام الصحي المنهك لم يعد قادرًا على إنقاذهم.
"نُجري عمليات قيصرية دون تخدير كافٍ"، يقول الدكتور عبد الحكيم محمد طبيب توليد من غزة: "الأمهات يصرخن من الألم، ثم يبكين عندما يكتشفن أن أطفالهن يصارعون الحياة نتيجة تردي حالتهم الصحية الناتجة عن سوء التغذية".
وأوضح الطبيب أن هناك انخفضا حاداً في مستلزمات العمليات القيصرية، والتخدير للولادة وتسكين الألم، والسوائل الوريدية، والمضادات الحيوية، وخيوط الجراحة، مبينا أن وحدات الدم اللازمة للولادات المعقدة أضحت شحيحة للغاية بسبب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر.
ويبدو واضحا أن القذائف لا تقتل الأطفال فقط، بل يقتلهم الجوع أيضًا. تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية يُظهر أن 10-20% من الحوامل والمرضعات في غزة يعانين من سوء التغذية الحاد.
سعاد عليان (25 عامًا) واحدة من أولئك النساء اللواتي يواجهن هذا التحدي قالت: "آكل مرة واحدة في اليوم.. حليبي جف، وطفلي يبكي من الجوع، وليس لدينا مصدر دخل كي نطعمه حليبا صناعياً".
وتعطل زوج سعاد عن العمل منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023، وفقد مسكنه في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ومنذ ذلك الوقت تعيش الأسرة على المساعدات.
تقول سعاد ذات العينين الغائرتين: "لدي أربعة أطفال ونعاني فقرا شديدا وانعدام في التغذية ومع ذلك لم ينظر أحد إلى معاناتنا، إننا نموت بالبطيء".
وبحسب المنظمة الأممية فإن المستلزمات الطبية شحيحة: 180 ألف جرعة لقاح أطفال محتجزة، وأدوية الولادة تنفد.
الممرضة آيات خليل التي تعمل في إحدى حضانات الأطفال قالت: للأسف لا نستطيع تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهؤلاء الأطفال بسبب نفاذ العلاجات الأساسية المطلوبة، وهذا يجعلنا نشر بالكثير من الأسى على واقع الأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولودا في الحرب".
وتسببت الهجمات العسكرية الإسرائيلية في إغلاق 21 مركزًا لعلاج سوء التغذية، وأصبح 350 طفلًا بلا رعاية.
منظمة الصحة العالمية حذرت في بيان لها من خطورة الوضع الصحي على النساء والأطفال بوجه خاص في قطاع غزة، مؤكدة أن 55 ألف امرأة حامل يواجهن ال خطر، ثلثهن حالات عالية الخطورة. وأن الحصار يمنع حتى دخول الحاضنات وأجهزة التنفس.
في اليوم الذي يُفترض أن يكون رمزًا للأمل، تذكّر منظمة الصحة العالمية العالم بأن غزة تُحاصر حرفيًا حتى الموت. نداؤها لوقف إطلاق النار يبدو كصرخة في وادٍ، بينما تُغلق أبواب الحياة واحدة تلو الأخرى.
السؤال الآن: كم طفلًا آخر يجب أن يموت قبل أن يتحرك المجتمع الدولي للإسهام في وقف الحرب؟