تتواصل في العاصمة القطرية الدوحة، ولليوم الثاني على التوالي، أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني، بمشاركة نحو 400 شخصية فلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، إضافة إلى ممثلين عن الجاليات الفلسطينية في الدول العربية والأوروبية والأميركيتين وأستراليا.
ويبحث المؤتمر، في يومه الثاني، عبر لجان متخصصة، عدة ملفات محورية، من بينها اللجنة السياسية، لجنة خطة المائة يوم، لجنة إعادة بناء منظمة التحرير، لجنة دعم الصمود، لجنة اللاجئين وحق العودة، إضافة إلى اللجنة القانونية والتنظيمية. ومن المتوقع أن تقدم هذه اللجان تقاريرها وتوصياتها، التي سيُصَوَّت عليها واعتمادها ضمن خطط عمل تنفيذية بعد إقرارها رسميًا من المؤتمر.
انعقاد المؤتمر في ظل ظروف استثنائية
يأتي انعقاد المؤتمر وسط أوضاع فلسطينية دقيقة، في أعقاب حرب إسرائيلية مدمرة على قطاع غزة استمرت لأكثر من عام ونصف، وأدت إلى سقوط أكثر من 50 ألف شهيد، فضلاً عن دمار واسع في القطاع. إلى جانب ذلك، تبرز تهديدات أميركية متكررة بوجود مخطط لتهجير أهالي غزة إلى دول مستضيفة، بالإضافة إلى تصاعد الطروحات اليمينية المتطرفة في إسرائيل بشأن ضم الضفة الغربية وتقويض دور السلطة الفلسطينية. وقد واجهت هذه المخططات رفضًا عربيًا موحدًا.
إحياء منظمة التحرير الفلسطينية: تحديات وفرص
لطالما كان الحديث عن إحياء منظمة التحرير الفلسطينية مطروحًا على الساحة، خاصة في ظل المساعي المستمرة لتوحيد الصف الفلسطيني، لا سيما مع استمرار الانقسام بين حركة فتح التي تمثل السلطة الفلسطينية، وحركة حماس التي برز دورها بشكل متزايد بعد عملية "طوفان الأقصى".
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين، في حديث مع "قدس برس"، أن إحياء منظمة التحرير "يظل مستبعدًا دون مشاركة فاعلة من حركة فتح، التي أصبحت مقيّدة بالسلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني".
وأكد بدارين أن "أي مبادرة لإحياء المنظمة ستكتسب شرعيتها حين تتحرر حركة فتح من قيود السلطة واتفاقية أوسلو". وأضاف: "أي لقاءات أو مؤتمرات، سواء في الدوحة أو غيرها، ستظل غير مجدية دون مشاركة حقيقية من فتح" وفق ما يرى.
من جانبه، أكد المحلل السياسي حازم عياد أن الفرصة لا تزال قائمة لتحقيق توافق فلسطيني "في حال توفرت إرادة سياسية حقيقية داخل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، خاصة مع وجود دعم عربي من دول مثل مصر والأردن والسعودية، التي تدعو إلى توحيد الصف الفلسطيني".
وأوضح عياد في حديث مع "قدس برس" أن "الموقف العربي بات أكثر تفاعلاً مع موازين القوى التي فرضتها الأحداث خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية".
إصلاح منظمة التحرير: خارطة الطريق
ويؤكد عياد أن العقبة الكبرى أمام تحقيق التوافق الفلسطيني تكمن في موقف القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية التي لا تبدي مرونة كافية تجاه إنهاء الانقسام، مشيرًا إلى أن "السلطة ترى في استمرار الانقسام ضمانًا لبقائها، وتخشى أن يؤدي التوافق إلى تهميش قيادتها الحالية".
بدوره، يرى بسام بدارين أن الإصلاح الحقيقي لمنظمة التحرير "يبدأ بمراجعة اتفاقية أوسلو (وقعت بين منظمة التحرير والاحتلال عام 1993)، وعقد مؤتمر وطني شامل يضم جميع الأطراف الفلسطينية، وعلى رأسها حركتا فتح وحماس".
كما شدد على "ضرورة إعادة النظر في تركيبة المجلس الوطني الفلسطيني ليعكس تمثيلًا حقيقيًا للفصائل الفلسطينية الفاعلة، بما في ذلك فصائل المقاومة التي قدمت تضحيات كبيرة".
حراك الشتات الفلسطيني: قوة كامنة
ويشكل حراك الشتات الفلسطيني ورقة ضغط قوية يمكن أن تساهم في إعادة إحياء منظمة التحرير. ويرى حازم عياد أن الفلسطينيين في الشتات يمتلكون قدرات وإمكانيات كبيرة لدعم هذا المسار، "غير أن التحدي الرئيسي يكمن في إيجاد أطر تنظيمية فعالة لهذا الحراك، بحيث تتجاوز الخلافات والتباينات، وتصب في تحقيق الهدف الفلسطيني المشترك".
ويؤكد عياد أن "مفتاح تحريك عجلة التوافق الفلسطيني لا يزال بيد السلطة الفلسطينية، التي تحتاج إلى إبداء إرادة حقيقية وجدية في إعادة بناء منظمة التحرير، بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الحالية والتحديات المفروضة".
و"المؤتمر الوطني الفلسطيني" هو مبادرة أطلقتها مجموعة من الشخصيات الفلسطينية البارزة والمؤثرة والنشطاء الفاعلين، من داخل فلسطين المحتلة والشتات، تهدف إلى التصدي للتحديات التي يواجهها الفلسطينيون بعد حرب الإبادة الجماعية على غزة، من خلال إعادة بناء منظمة التحرير على أُسس ديمقراطية جامعة، والضغط لتشكيل قيادة فلسطينية موحّدة.