من وسط معاناة الخيام ومراكز الإيواء، والمجاعة القاسية، والخوف من المستقبل بعد أن تراجع نسبيًا الخوف من أزيز الرصاص والقذائف والطائرات، تحيي النساء الفلسطينيات في قطاع غزة يوم المرأة العالمي.
أوضاعٌ قاسية جدًا مرت بها النساء الفلسطينيات خلال العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، فمنهن من فقدت زوجها، ومنهن من فقدت أبناءها، وأخريات فقدن منازلهن أو أعمالهن ومستقبلهن، بينما تعاني بعضهن من إصابات دون توفر العلاج اللازم.
كما تعيش الفلسطينيات في قطاع غزة واقعًا مريرًا نتيجة الحرب المروعة التي لا تغيب عن أذهانهن، إذ أدت إلى استشهاد عشرات الآلاف من النساء، وإجبارهن على النزوح المستمر طوال 16 شهرًا، فضلًا عن حرمانهن من أبسط الاحتياجات الأساسية، مثل المسكن الآمن، والغذاء، والرعاية الصحية الأولية.
وما زالت المرأة الفلسطينية تدفع ثمنًا باهظًا مقابل الحرية والكرامة، حيث يحل هذا اليوم على المرأة الفلسطينية، وخاصة في غزة، ليكون "مثالًا حقيقيًا لإذلال المرأة وقتلها وإطلاق النار عليها وتعذيبها وإجبارها على النزوح، وتعريضها للتجويع والتعطيش وانعدام الرعاية الصحية، بدلًا من أن يكون يومًا لرفع شأنها وتكريمها"، وفق ما أورده المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
"أرقام صادمة"
وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل 12,316 فلسطينية، كما ترملت 13,901 امرأة وفقدن أزواجهن ومعيلي أسرهن، إضافة إلى 50 ألف امرأة حامل وضعن مواليدهن في ظروف غير إنسانية، بينما فقدت 17 ألف أم أبناءها. وأصيبت 162 ألف امرأة بأمراض معدية، و2000 امرأة وفتاة تعرضن لبتر أطرافهن، مما سيجبرهن على العيش بإعاقات دائمة.
وأشار التقرير إلى اعتقال الاحتلال لعشرات النساء الفلسطينيات وتعريضهن للتعذيب الجسدي والنفسي داخل المعتقلات، "في ظل صمت دولي فظيع".
وأكد المكتب الإعلامي أن الفلسطينيات في غزة يعشن هذه المناسبة في ظل واقع مأساوي، وظروف إنسانية ومعيشية كارثية، حيث يعانين من الموت البطيء جراء التجويع والتعطيش وانعدام الرعاية الصحية، في ظل الحصار المطبق ومنع المساعدات لليوم السابع.
كما شدد على أن حال المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية لا يقل مأساوية، إذ تواجه هجمة مسعورة تستهدف المدن والمخيمات، ما أجبر آلاف النساء على النزوح القسري رفقة أسرهن، فضلًا عن اعتقال المئات منهن وتعرضهن للاعتداء والتنكيل.
وأضاف المكتب الإعلامي أن المرأة الفلسطينية "في أمسّ الحاجة إلى الدفاع عن حقوقها ومتطلبات حياتها كافة، بدلًا من أن تتعرض للقتل والإصابة والاعتقال والنزوح القسري، على مرأى ومسمع الجميع".
وثمّن صمود المرأة الفلسطينية، التي وصفها بـ"سنديانة النضال"، والتي قدّمت التضحيات أماً وزوجة وابنة وشهيدة وجريحة وأسيرة، ولعبت دورًا محوريًا في بناء المجتمع الفلسطيني وتعزيز صموده.
وحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي تُرتكب بحق المرأة الفلسطينية والظروف القاسية التي فُرضت عليها.
وطالب المكتب الإعلامي المجتمع الدولي ومنظمات الدفاع عن حقوق المرأة بضرورة العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لكي تتمكن المرأة الفلسطينية من العيش بكرامة وحرية، كما طالبهم بالتحرك لإنقاذ النساء الفلسطينيات من جرائم الاحتلال المتواصلة، التي تشمل القتل والاعتقال والتنكيل.
"لم يشهدها التاريخ"
وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات، ريم السالم، قد صرّحت بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم قتل النساء واستهداف الصحة الإنجابية كأدوات للإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وقالت السالم، في تصريح صحفي مطلع فبراير/ شباط الماضي، إن "اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات هي جزء من إستراتيجية إبادة جماعية ممنهجة".
وأشارت إلى التأثير المدمر للهجمات على النساء والأطفال، مستندة إلى بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان، موضحة أنّ "800 ألف امرأة هجّرن قسرًا من منازلهن، فيما تعاني حوالي مليون امرأة وفتاة من انعدام أمن غذائي حاد".
وأضافت أن "الوضع في غزة بلغ أبعادًا غير مسبوقة في التاريخ الحديث، حيث ارتفعت معدلات الإجهاض بنسبة 300% بسبب نقص الرعاية الطبية والصدمات النفسية والقصف المستمر".
"المشاركة في جهود التعافي"
من جهتها، أكدت منظمة "آكشن إيد" الدولية، في اليوم العالمي للمرأة، على الدور الطليعي الذي تؤديه النساء في قطاع غزة في الاستجابة الإنسانية خلال الحرب التي استمرت 15 شهرًا، مشيرةً إلى أنهن يضطلعن حاليًا بقيادة جهود الإنعاش وتقديم الخدمات الأساسية وسط استمرار وقف إطلاق النار.
وطالبت المنظمة بعدم تهميش النساء والفتيات الفلسطينيات والمؤسسات النسوية، ووضعهن في مركز جميع عمليات صنع القرار بشأن مستقبل غزة، مشددةً على ضرورة أن تكون قيادة المرأة ومشاركتها أولوية غير قابلة للتفاوض في عملية إعادة البناء والإعمار.
وقالت المنظمة: "تحملت النساء والفتيات العبء الأكبر من الحرب التي استمرت 15 شهرًا في غزة، وما زلن يعانين من تداعياتها بشكل غير مسبوق".
بدورها، قالت مديرة جمعية الدراسات التنموية النسوية الفلسطينية، سحر ياغي: "تكافح النساء اليوم من أجل كل شيء تقريبًا، إذ يفتقرن إلى الخدمات الأساسية والمساعدات. الخيمة ليست منزلًا. النساء يكافحن لتلبية احتياجاتهن الأساسية. نحن بحاجة ماسة إلى الدعم".
وطالبت ياغي بإشراك النساء بشكل كامل في عمليات صنع القرار المتعلقة بمستقبل غزة وإعادة إعمارها.
من جانبها، قالت مسؤولة التواصل والمناصرة في منظمة "آكشن إيد - فلسطين"، رهام جعفري: "كانت النساء بطلات مجهولات خلال الأشهر الـ 17 الماضية في غزة، حيث قدن الاستجابة الإنسانية رغم المخاطر الجسيمة، لضمان عدم تهميش احتياجات النساء والفتيات".
وشددت جعفري على أن قيادة النساء يجب ألا تُهمّش في جهود التعافي، مؤكدةً أن الطريق إلى إعادة بناء غزة قد يكون طويلًا، لكن الحقيقة الواضحة هي ضرورة أن يكون الفلسطينيون، رجالًا ونساءً، في جوهر ومركز جميع الخطط المتعلقة بمستقبل غزة.
وأضافت: "يجب أن يكون للنساء، بما في ذلك المؤسسات التي تقودها النساء وتدعمها النساء، مقاعد على طاولات صنع القرار، لكي يكون من الممكن إعادة بناء غزة بطريقة تأخذ احتياجات النساء في الاعتبار".
واختتمت بالقول: "يجب سماع أصوات النساء، وأن يكون لهن دور رئيسي في تشكيل مستقبل غزة. في هذا اليوم العالمي للمرأة، نرفع أصواتنا جنبًا إلى جنب مع أصواتهن، فلا سلام، ولا إعادة إعمار، ولا مستقبل لغزة ممكن دون الإشراك الكامل للمرأة".