مقالات __ كتاب __ صوت جرش
"سيبقى الأردن عظيماً وطناً طيباً مباركاً بأهله وأرضه، وجهاً عربياً صادقاً وعنواناً لكل خير وكل يوم من أيامه بداية لمستقبل نصنعه بإيمان وعزيمة وثبات"…
بهذه العبارات العميقة ختم جلالة الملك خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة الـ (20)، مرتديا لباس الفخامة والهيبة المعبر عن سيادة دولتنا الأردنية والمتفق مع الاستحقاقات الدستورية التي تؤكد على مؤسسية الأردن ونهج الحكم المؤسس على الدستور والذي يأتي في نص مادته الأولى بأن: "ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي"…
خطابات العرش هي خطابات يُفوَّض الدستور الأردني جلالة الملك بإلقائها "بموجب الدستور" في افتتاح الدورات العادية لمجلس الأمة استناداً للمواد(78) والمادة (79) والتي تفوض جلالة الملك بافتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة وإلقاء خطبة العرش فـي المجلسين مجتمعين، وله أن ينيب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء ليقوم بمراسم الإفتتاح وإلقاء خطبة العرش، ويقدم كل من المجلسين عريضة يضمنها جوابه عنها؛ ويعرض جلالته في خطابات العرش السياسات الوطنية ورؤيته للتطورات الوطنية والإقليمية والدولية بما يدعم بناء الدولة الأردنية.
تشكل خطب العرش لحظة سياسية دقيقة ترسم مسارات استراتيجيةلمستقبل البلاد في مختلف المجالات وترسم خارطة طريق وطنية يتم ترجمتها إلى عمليات وبرامج إصلاحية يجب تنفيذها لضمان نجاح ترسيخ القيم الديمقراطية والبناء على ماتم إنجازه في السنوات السابقة، تحت شعار التعددية السياسية والحزبية والفكرية كمرتكزات للاستقرار السياسي والاجتماعي، وكذلك تحت شعار دولة القانون وسيادته، ومن هنا فقد حرص جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين منذ اعتلاءه سدة الحكم عام 1999، على اتباع آليات متعددة توضح الرؤى الملكية للتحديث السياسي وطرق تحقيقها في الأردن، فكان من هذه الآليات خطب العرش السامية.
وقد جاء خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين في ظل ظروف سياسية بالغة التعقيد سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي، نظراً للتداخل الكبير بين ما يجري في المنطقة وانعكاساته على الاستقرار في الاردن.
والمتتبع لخطاب جلالة الملك السياسي التحديثي يجد رؤى وأفكار عظيمة تسعى إلى إحداث تغيير جوهري لعمل مؤسسات الدولة بهياكلها وأنظمتها ولوائحها والقوانين المنظمة لعملها، من أجل تجديد طابعها المؤسسي وتفعيلها وفق آليات عمل جديدة مستجيبة لإيقاع العصر ومطلقة لروح المبادرة والتجديد، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والمطالب الشعبية المتزايدة؛ حيث قدم جلالته توجيهات واضحة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وشدد جلالته على دور مجلس الأمة بشقيه (الأعيان والنواب) في مسيرة التحديث السياسي بحيث يؤدي المجلس اختصاصاته التشريعية والرقابية بالوسائل التي حددها الدستور لمراقبة سير عمل البرامج الحكومية استنادا لنص المادة (60) من الدستور الأردني والذي يؤكد بمواده الراسخة على الفصل المرن بين السلطات بحيث تؤدي كل سلطة مهامها في إطار علاقة تشاركية واشتباك إيجابي قائم على التوازن والتكامل وتجويد المجود، خاصة وان هذا المجلس يشكل النواة الأولى لمسيرة التحديث السياسي بمثلثها الاصلاحي( قانون الانتخاب/ قانون الأحزاب/ والتعديلات الدستورية الملازمة حُكماً لكلا القانونين)؛ وهذا يعني التركيز على الأداء البرلماني والتعاون الواضح مع الحكومة؛ كما أنه يقتضي ويفرض على الأحزاب الوطنية العمل بجدية أكثر وتطوير برامجها وأفكارها واستقطاب الشباب كون الانتخابات القادمة ستشكل الأحزاب ما نسبته 60% من مجلس النواب.
وأضاف جلالته مخاطباً نواب الأمة "أنتم اليوم أمام مسؤولية كبيرة لإرساء قواعد عمل وممارسات برلمانية يكون التنافس فيها على البرامج والأفكار وأساسها النزاهة، وتعبر بكل وضوح عن مصالح وأولويات الدولة". وهنا أراد جلالته توجيه النواب إلى ضرورة ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي وفق أسس وطنية فقط وبما يخدم مصالح الدولة الأردنية من خلال تقديم برامج وأفكار تعزز مكانة مجلس النواب ودوره الوطني.
كما ركز الخطاب على أهمية تكامل التوافق بين عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية لإقرار التشريعات التي تعزز الإصلاح السياسي والاقتصادي، يستهدف بيئة الاستثمار وتوفر فرص عمل للشبابـ وفي نفس الوقت أراد جلالته طمأنة الشعب بأن القيادة تعمل على حماية حقوقهم وتحسين ظروفهم المعيشية رغم التحديات، والتأكيد على وحدة الصف الأردني في مواجهة الأزمات، وقال جلالته "هدفنا توفير الحياة الكريمة وتمكين الشباب وإعدادهم لوظائف المستقبل، وعلينا مواصلة تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي لإطلاق إمكانات الاقتصاد الوطني ورفع معدلات النمو خلال العقد القادم، فما لدى الأردن من كفاءات بشرية وعلاقات مع العالم كفيل بأن يكون رافعا للنمو"، وقال جلالته "سنواصل البناء وسيكتب الأردن فصولا جديدة في مسيرته التي ستبقى مسيرة أغلى ما فيها الإنسان"، مضيفا "لا بد من الإسراع في تحديث القطاع العام، وصولا إلى إدارة عامة كفؤة وقادرة على تقديم الخدمات النوعية للمواطنين بعدالة ونزاهة، وهذا نهج يجب أن يلتزم به كل مسؤول وموظف".
تتضمن الخطاب كذلك رسائل واضحة حول مستقبل الأردن بأنه لن يكون خاضعا للسياسات التي لاتلبي مصالحه؛ وفي هذا تأكيد على قانون أردني سياسي تحدث به الملك، قانون نقرأ من حروفه مسار الدولة في التعامل مع ماهو قادم في الإقليم وفي كل علاقاته.فجاء تأكيد جلالته في خطابه بقوله: "نحن دولة راسخة الهوية، لا تغامر في مستقبلها وتحافظ على إرثها الهاشمي وانتمائها العربي والإنساني، فمستقبل الأردن لن يكون خاضعا لسياسات لا تلبي مصالحه أو تخرج عن مبادئه"، وهنا يرد جلالته على محاولات اليمين المتطرف في إسرائيل حول تصفية القضية الفلسطينية على حساب الدولة الأردنية؛ كما أن تأكيد جلالته على كلمة راسخة "الهوية" ما هي إلا إشارة إلى مقومات قوة الدولة الأردنية السياسية والاقتصادية والوحدة الوطنية والتلاحم الوطني حول جلالته، حيث تسعى الدولة الأردنية لتحقيق مصالحها الوطنية وهي ثابتة وراسخة في الفكر السياسي للدولة الأردنية؛ وهذا يتطلب منا جميعاً التكاتف والوقوف صفاً واحداً في وجه التحديات حتى لا يتسلل أياً من كان محاولاً تفكيك وحدة صفوفنا (لا سمح الله)…
وأكد الخطاب على قضايا الأردن القومية ومساعيه الداعية دوماً للسلام العادل لأشقائنا الفلسطينيين، والدفاع عن "قدس العروبة" المصطلح الهاشمي الأردني؛ والحفاظ عليها بالوصاية الهاشمية لمقدساتها؛ ووقف الحرب والعدوان على غزة فكان الأردنيون أول من أوصلوا المساعدات برا وجوا ؛ فالأردن كان وسيظل دوماً سندا للقضية الفلسطينية.
((" انتم على العهد النشامى النشامى ")) بسبابة التوحيد وبكل حزم أشار جلالة الملك إلى قواتنا المسلحة الأردنية وأجهزتنا الامنية؛ تأكيداً على أهمية الجيش الأردني الباسل ودوره الوطني والقومي في حماية الاردن من التهديدات الخارجية ودوره في التعامل مع الأزمات الإقليمية، خاصة قضية اللاجئين، جيشنا الذي يجسد القيم الأردنية النبيلة في العطاء والتضحية.
إن خطابات العرش هي خطابات رسمية وفيها يستعرض جلالته السياسات الوطنية ومرتكزات القضايا الحيوية الهامة في المنطقة. كما تتطرق خطابات العرش إلى خطط التنمية والسياسات المحلية، داعية إلى التعاون بين جميع الأجهزة والسلطات الحكومية فهي بمثابة ميثاق وطني يجمعنا على هدف واحد ألا وهو بناء الأردن الحديث وتحفيزنا على العمل الجاد؛ خطاب يشعرنا بأننا حميعاً شركاء في بناء المستقبل أردني واعد تحدد ملامحه مصالح الأردن وأولوياته؛ وبرغم المحيط الملتهب حول الأردن سيبقى صامداً صمود الجبال((باذن الله)) وستبقى يا بلادنا بلد الامن و الأمان والاستقرار بأرضه وقيادته وأهله الطيبين؛ ولا صوت يعلوا فوق صوت الشرعية الأردنية….