في قلب معركة البقاء والنضال، ودّعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مجموعة من قادتها البارزين الذين ارتقوا شهداء خلال ملحمة طوفان الأقصى، مسجلين أسماءهم في سجل المجد الذي لا يغلق صفحاته أمام رجال ضحوا بأرواحهم على طريق تحرير فلسطين والدفاع عن المسجد الأقصى.
لم يكن استشهاد هؤلاء القادة مجرد حدث عابر، بل كان محطة جديدة في درب المقاومة، تأكيدًا على أن الاحتلال الإسرائيلي وإن نجح في استهداف القادة، فإنه لم ولن ينجح في إخماد جذوة النضال، بل سيجد أمامه أجيالًا متعاقبة تحمل الراية وتواصل المسير.
قادة نذروا حياتهم للمقاومة
كانوا في الصفوف الأمامية، يخططون ويديرون العمليات، يواجهون الاحتلال بكل ثقة، ويؤسسون لمنظومة نضالية لا تتوقف عند فرد، بل تقوم على العمل الجماعي والمؤسسي، من (إسماعيل هنية، إلى يحيى السنوار، وصالح العاروري، ومحمد الضيف، ومروان عيسى، وصولًا إلى الشهيدة جميلة الشنطي)، وغيرهم من القادة الذين كان لهم بصمات في العمل المقاوم.
هذه القيادات لم تكن مجرد أسماء في المشهد السياسي والعسكري، بل كانت عقولًا مدبرة، قادت معارك وصاغت استراتيجيات جعلت من المقاومة رقمًا صعبًا في معادلة الصراع، حتى وصل الأمر إلى "طوفان الأقصى"، التي أذهلت الاحتلال والعالم بجرأتها ودقتها.
الدماء التي تروي الأرض وتحيي القضية
لم يكن استشهاد القادة خسارة بقدر ما كان محطة لإعادة ترتيب الصفوف، إذ تدرك حماس أن استهداف القادة جزء من الحرب، لكن التجربة أثبتت أن المقاومة قادرة على تجاوز الخسائر البشرية، وإعادة إنتاج قيادات جديدة، تواصل الطريق بنفس الروح والعزيمة.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور خليل الحية، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، أن هذه الدماء لن تذهب هدرًا، بل ستكون وقودًا لمعركة التحرير، وأضاف قائلًا: "نعاهد الله ونعاهد شعبنا أن نبقى على ذات الدرب، وأن نقضيَ على ما مات عليه القادة المؤسسون، الذين وإن غابت أجسادهم، فأرواحهم وأفكارهم وميراثهم حاضرة بيننا."
مواقف تعكس صلابة المقاومة
لم يكن إعلان استشهاد القادة حدثًا عابرًا، بل تفاعل معه الشارع الفلسطيني والفصائل المقاومة، حيث أكد نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، محمد الهندي، أن "استشهاد الصف الأول من قادة حماس لا يعني القضاء على المقاومة، بل هو دليل على قوة وصلابة المشروع الجهادي."
فيما قال الناطق باسم حماس، حازم قاسم، إن قادة الحركة ارتقوا في معركة، وليس في عمليات اغتيال، مشيرًا إلى أن الحركة قادرة على تعويض أي خسارة، وأن بنيتها العسكرية والتنظيمية متماسكة.
أما الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي، سعيد زياد، فقد رأى أن "اغتيال القادة لم يؤثر على قدرة القسام"، مشيرًا إلى أن الحركة نجحت في ملء الفراغ القيادي سريعًا، وأن خسارتها لم تتعدَّ 20% من قدرتها البشرية، وهو ما يعكس قوة التنظيم واستعداده الدائم لأي طارئ.
تفاعل فلسطيني واسع مع استشهاد القادة
لم يكن الشارع الفلسطيني بعيدًا عن هذا الحدث، حيث عمَّت المسيرات مدن الضفة الغربية ومناطق أخرى، تعبيرًا عن الحزن، ولكن بروح معنوية عالية، تؤكد أن القضية مستمرة، وأن المقاومة لم تفقد بوصلة الصراع رغم الضربات.
في نابلس ورام الله، صدحت مكبرات الصوت في المساجد بنعي القادة الشهداء، بينما انطلقت مسيرات شعبية حمل فيها المواطنون صور محمد الضيف ورفاقه، وأطلقوا هتافات تؤكد على استمرار الكفاح.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر وسم #شهداء_القسام، حيث تناقل الفلسطينيون صور القادة الشهداء، وكتبوا عن مآثرهم وأدوارهم البطولية، فيما دعت شخصيات وطنية إلى إقامة صلاة الغائب في جميع مساجد فلسطين.
معادلة جديدة في الصراع
أدرك الاحتلال بعد هذه المعركة أن المقاومة ليست قائمة على أفراد، بل على منظومة متكاملة، لا تتوقف عند رحيل قائد أو مجموعة من القادة، وقد عبَّر عن ذلك خليل الحية بقوله: "المقاومة قررت الإعلان عن استشهاد قادتها بعد التأكد من هوياتهم، ليس ضعفًا، بل لتؤكد للعالم أن راية المقاومة لن تسقط، بل ستزداد قوة وإصرارًا."
أما القيادي حسن خريشة، فقد اعتبر أن توقيت الإعلان عن استشهاد القادة يحمل "جرأة كبيرة"، خاصة أنه يأتي في ظل صفقة تبادل الأسرى التي أثبتت أن المقاومة قادرة على فرض شروطها على الاحتلال.
المقاومة تجدد نفسها.. والطريق مستمر
على مدار العقود الماضية، حاول الاحتلال اغتيال القادة الفلسطينيين، معتقدًا أن ذلك سيؤدي إلى انهيار المقاومة، لكنه وجد نفسه في كل مرة أمام واقع مختلف، حيث تنهض حماس من جديد، وتصنع قيادات بديلة، وتواصل معركتها نحو التحرير.
يقول الناشط والسياسي عمر عساف: "استشهاد القادة لا يعني توقف المسيرة، بل هو إشارة للشباب الفلسطيني بأن هذا الطريق مقدس، وأن الأجيال القادمة ستكون أكثر إقبالًا على المقاومة، لأن القادة لم يكونوا مجرد رموز، بل كانوا مشاريع شهادة على قيد الحياة."
أما المحلل السياسي عقل صلاح، فيرى أن المقاومة نجحت في تجاوز خسائرها، حيث لم تتوقف المعركة رغم استهداف القادة، بل استمرت الضربات التي ألحقت بالاحتلال خسائر فادحة.
المقاومة مستمرة
رغم أن حماس فقدت قادتها في ملحمة طوفان الأقصى، إلا أن الرسالة التي حملها الشعب الفلسطيني واضحة: الطريق مستمر، والمقاومة لا تنكسر، والاحتلال لن يستطيع القضاء على مشروع التحرير.
وكما قال الشهيد محمد الضيف ذات يوم: "لن نرفع الراية البيضاء، ولن نسلم في سلاحنا، ولن تكون هذه الأرض إلا مقبرة لغزاتكم."
الراية التي رفعها القادة ستظل مرفوعة، والطريق الذي شقوه بدمائهم سيمضي فيه جيل جديد، حتى يتحقق الحلم الأكبر: تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.