محمد حسين - سوريا
بعد نكبة فلسطين والتهجير الكبير للشعب الفلسطيني الذي رافقها، طرحت في بداية الخمسينات من القرن الماضي مشاريع كثيرة للتهجير، والتوطين والتعويض، والتذويب، لكن الشعب الفلسطيني قاومها بشدة وتمسك بأرضه، تساعده في ذلك الظروف العربية والدولية، إذ كان المد الناصري والقومي في أوجه، وانقسام العالم إلى معسكرين شرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي وغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، واستمرت المشاريع إلى أن ظهرت المقاومة الفلسطينية التي تصدت لتلك المشاريع وحافظت على الهوية الوطنية الفلسطينية.
المشروع الجديد القديم
في خضم التطورات التي تعصف بالمنطقة العربية والعالم، وجملة الأزمات والانكسارات والانهيارات التي أصابت المنطقة العربية أنظمةً وشعوباً، وضعف العامل الذاتي الفلسطيني نتيجة الانقسام والحرب الدموية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتي أدت إلى تدمير 70٪ منه، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتكرار المشهد الآن في الضفة الفلسطينية.
أما على المستوى الدولي، فالحال ليست بأفض، فروسيا وأوروبا منشغلتان بحرب أوكرانيا التي تستنزف الجميع، والصين منكفئة على ذاتها بالنسبة الى القضايا العالمية.
ضمن سياق هذا المشهد الفلسطيني، العربي والعالمي، والذي يشكل فرصة كبيرة للولايات المتحدة من أجل التحكم بالعالم، أطلّ علينا السيد ترامب بمشروعه الداعي إلى استملاك قطاع غزة وتهجير سكانه إلى مصر والأردن. وعلى رغم يقين ترامب وإدارته بمعارضة الشعب الفلسطيني والدول العربية لهكذا مشروع، إلا أنه أصر على طرحه.
في ظني أن ترامب رجل الصفقات التجارية يريد من خلف هذا المشروع نقطتين:
أولاً: سيتمسك بمشروعه ضمن الحد الأقصى، وبعد ذلك سيفاوض الدول العربية على إقامة علاقات مع إسرائيل في مقابل سحب المشروع، وبذلك يكون قد أنهى فكرة الأرض في مقابل السلام، وسيكون السلام في مقابل سحب المشروع.
النقطة الثانية: سيفاوض الدول العربية من أجل الضغط على "حماس" والمقاومة لإنهاء وجودها العسكري وسيطرتها على قطاع غزة، وإخراج بعض من قياداتها كما تطالب إسرائيل.
ما هي الخيارات الممكنة لمواجهة هذا المشروع؟
فلسطينياً، لا خيار أمام الشعب الفلسطيني ومقاومته سوى الصمود، وإنهاء الانقسام فوراً وإعادة الروح الى منظمة التحرير الفلسطينية كأداة نضالية جامعة، وتشكيل حكومة توافق وطني مدعومة من الكل الفلسطيني، تقود الضفة وغزة وتتصدى لإعادة إعمار غزة وتغلق الطريق أمام أي مشاريع تستهدف القضية والشعب الفلسطينيين.
عربياً، عقد قمة عربية طارئة تحمل رسالة واضحة ترفض التهجير وتتبنى خطة عربية لإعادة إعمار غزة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الموقف السعودي – المصري - الأردني يشكل عاملاً مهماً في إفشال هذا المشروع.
إن القضية الفلسطينية برمتها على مفترق طرق، فهل سينجح صاحب الصفقات التجارية ترامب في مقايضة مشروعه بالتطبيع وإنهاء وجود المقاومة الفلسطينية في غزة، أم أنه ستكون للعرب كلمة أقلها التمسك بمبادرة السلام العربية التي أجمعوا عليها؟