الاب ايلي قنبر
في الحياة اليوميّة، كلّ أُم وأب أو أُخت وأخ أو زوجة وزوج يمكن أن يتعرّض أحدهم أو جميعهم لحزنٍ كبير بعد ابتلاء أحد أحبّتهم بمُصاب جلل أو بالموت. فيكون "قد جاز سَيف في نفوسهم"، لكن نادراً ما "تُكشَف أفكار من قلوب كثيرة" جرّاء هذا المُصاب أو الموت. لأنّه لا بُدّ وأن يكون الشخص المُشار إليه(ها) أو المجموعة ذات موقع عظيم في المُجتمع أو مُبتَلى بمًصابٍ كبير. هذا ما سنتحدّث عنه في المقالة الراهنة.
مريَم أُمُّ يسوع بادَرها سمعان الشيخ في هيكل القُدس-أورشليم بالقَول: "ها إِنَّ هَذا قَد جُعِلَ لِسُقوطِ وَقِيامِ كَثيرينَ في إِسرائيلَ، وَهَدَفًا لِلمُخالَفَة". يسوع قد جُعل عنصرًا يُسقط كثيرين: هو أسقط "هيرودس وكلّ أورشليم معه" يوم عرَف، مُتأخِّراً بمَولده من المجوس. إذ حوَّل أنظاره صوب كلِّ طفلٍ مولود حديثاً كشخصٍ يُهدِّد سُلطته، فقام بمجزرةٍ للتخلُّص من "الملِك" الجديد المُفترَض. تماماً كما يفعل الصهاينة اليوم إذ يقَتلون كلّ طفل(ة) فلِسطينيّ(ة)، حتّى ولو كان جنيناً في الرحم، عمداً وبِلَا تردُّد وبدون أن يرِفّ لهم جَفن خوفاً من أن يكبر ويصير "إرهابياً" فيَقتلهم. ويسوع يُسقط اليوم كلَّ مُتَجبِّر معتوه يضع نُصبَ عينَيه تهجير أصحاب وطن إلى أرضٍ غريبة ليكونوا على غرار يسوع "الغريب" في عالمٍ مُتَوحِّشٍ أراد قتله "في المهد صبيًّا" فهُجِّر إلى "ارضِ مِصر" ، عالمٍ لا يرحم البشر ولا الحجر ولا أيّ كائنٍ حيّ آخَر. لقد أنزل يسوع المتربِّعين على العروش المُزَيَّفة والفانية والمُغتصبة السُلطة لأنّهم لا يرحمون أنفسهم ولا يرحمون الآخَرين.
ويسوع "رفعَ المُتواضِعين" إلى سمائه مع المُنكَسِري القلوب والخطأة والبغايا والعشّارين واللّصَّ المصلوب إلى يمينه...
أجل كان يسوع هدفاً للمُخالَفة، إذ لم يتعرَّف شعبه إليه على أنّه "النبيّ" ولا "المسيح" المُنتَظر لأنّه لم يكن يبغي التسلُط ولا التربُّع على عرش ولا أخذ مكان مُغتصب سلطة. "لقد أتى ليَخدُم لا ليُخدَم"، وتلقّى الصفعات من "حقيرين" يعتقدون انّهم أقوياء بالسلاح الذي يمتشقون.
نعم، لقد "جاز سيفُ في نفس" مريَم، فانكشفَت "أَفكارٌ مِن قُلوبٍ كَثيرة". لقد "جاز سيفٌ في نفس" كلّ إنسان تعرَّض لَما تعرَّضت له مريم من طعنةٍ في أفريقيا -ماضياً وحاضراً- وفي آسيَا وفي أميركا اللَّاتينيّة/الجنوبيّة -ماضياً وحاضراً- وفي مَشرق الأرض ومغربها.
ذاك السَيف في عصرنا نعني به أوّلًا الانقلابات العسكريّة والأمنيّة -المُخابراتيّة، والحروب والأوبئة الجرثوميّة المنتشرة بأمر جهةٍ "خفيّة" تفتعلها لإبادة مَن لا ينصاعون لها، إلى الأعاصير المجنونة أو الحرائق الكبيرة المُفتَعلة أو الأمطار الاصطناعيّة الملوِّثة للأجواء لضرب مناطق تودّ تغيير وُجهة استعمالها، أو رشَ المبيدات السامّة فوق الأراضي الزراعيّة وغيرها من الوسائل المؤذية.
السَيف المُعاصر يبتلي بحدِّه أفراد ومحموعات وشعوب. ذلك أنّ "سائدي هذا العالم" يتكفّلون بتسليط "سيوفهم" على رقاب الجميع دون استثناء ودون استئذان، بما فيهم شعوبهم. مبتغاهم الأوحد التسيُّد والاستغلال إلى أقصى الحدود.
ولكن هناك "صبيٌّ يَنمو وَيَتَقَوّى بِٱلرّوحِ، مُمتَلِئاً حِكمَةً، وَكانَت نِعمَةُ ٱللهِ عَلَيه"، قادرٌ أن يكون مُحرِّرَ الأفراد والجماعات والشعوب.
مَن هو هذا الصبيّ؟ "هو قدَّم نفسه؛ وأنتَ، مَن أنتَ لتَتردَّد في تقديم ذاتِكَ بكليّتها؟" هو يسوع دائماً، وإلى جانبه كلّ إنسان "لا يُريد أن يعيش أبدَ الدهرِ بين الحُفَر"، إنسانٌ "إذا أراد الحياة، فلا بُدّ أن يستجيب القدَر".