صبري الرابحي- تونس
لو قيل لنا قبل عقد أو أكثر من الزمن إنه سوف يخرج علينا رجل نظنه رشيداً ليطلب من الفلسطينيين أن يبيعوا له شبراً من أرضهم، لنهض منا كل أمل دنڨل ليردّ بأنها "أشياء لا تشترى" ولو أطنب في المسألة لكان الجواب، انتظر إلى أن يجيب العدم!!
موقف ترامب الصادم:
يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتخلص بعد من ذهنية رجل العقارات بالرغم من دخوله إلى البيت الأبيض للمرة الثانية بعد أربع سنوات قضاها بين أروقة المحاكم وحملته الانتخابية التي غابت عنها تصريحاته المثيرة للجدل، هذه المسألة بالذات جعلت من تصريحاته الأخيرة خلال ندوة صحفية عقدها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في واشنطن صادمة لأبعد الحدود لأنها كشفت تحول الخطاب والموقف من الحرب على غزة كما كشفت تطرفاً غير مسبوق لترامب بخصوص غزة ما بعد الحرب.
حديث ترامب عن تهجير الفلسطينيين نحو دول بعينها وهي أساساً مصر والأردن أو حتى شراء غزة مثّلت تعبيراً صادماً عن الرؤية السياسية للإدارة الأميركية الجديدة.
كما مثّلت مشروعاً مكتمل المعالم بخصوص أهداف الحرب التي فشل فيها نتانياهو ويريد ترامب تحقيقها بأي وسيلة.
المواقف الدولية:
لم يسبق لرئيس أميركي أن واجه هذا الكمّ من المواقف الرسمية الرافضة لمقترحاته، فحتى أكثر الرؤساء تطرفاً على الأقل خلال الثلاثين سنة الماضية بإجماع المتابعين للشأن الأميركي وهو جورج بوش الابن لم يقدّم مثل هذا الموقف بخصوص الصراع العربي الصهيوني لعلمه مسبقاً بأن استقرار الشرق الأوسط يرتبط باستقرار فكرة أحقية الفلسطينيين بأراضيهم وأن المسألة مفروغ منها وأن حتى "الشرعية الدولية" لم تتجرأ على مصادرة هذا الحق.
كما أن جملة هذه المواقف أسست لتناغمها الذي غاب كثيراً في علاقة بحرب روسيا وأوكرانيا وغيرها من الأحداث التي هزت العالم.
دول الناتو مثلاً خيّرت هذه المرة أن ترفع الفيتو في وجه ترامب وتحذيره من مغبة التمادي في موقفه للحفاظ على الأقل على صفقة تبادل الأسرى بغاياتها الأمنية والسياسية.
مواقف الدول العربية:
بعد قرابة النصف قرن من إمضاء اتفاقية كامب ديفيد، وبعد موجة التطبيع والاتفافيات الإبراهيمية التي قوضت القناعة العربية بخصوص القضية الفلسطينية، تصطدم اليوم الإدارة الأميركية بالمواقف العربية المشرفة.
فبالرغم من حالة الاستكانة والإذعان لرؤية الولايات المتحدة الأميركية لمستقبل الشرق الأوسط، يرفع اليوم العرب لاءاتهم التاريخية أمام طموح ترامب في مصادرة غزة وتهجير سكانها إلى دول الجوار في إطار مساعيه لمصادرة الحق الفلسطيني.
بعد استدامة الخضوع أصبح للأنظمة العربية قناعة راسخة بأنه لا سبيل لتقديم المزيد من التنازلات في مرحلة حرجة جداً أسس طوفان الأقصى لمسافات جديدة تمنع المساس من جوهر القضية وتحيل إلى تغيّر جذري لقدرات المقاومة وقدرتها على التأثير على المنطقة برمتها ولو بدون إسناد حقيقي من الأنظمة الرسمية العربية.
الخطة المصرية لمستقبل غزة:
أعربت مصر بصفة رسمية عن موقفها من تصريحات ترامب ولم تتردد في رفضها في العلن مستفيدة من مكانتها في المشهد والمنطقة خاصة بعد مشاركتها في رعاية مفاوضات وقف إطلاق النار.
السيسي تحدث عن معالم مبادرته التي ترتكز على السردية العربية حول الالتزام بحدود العام 1967 وتثبيت القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين والتمسك بحلّ الدولتين.
مصر أكدت أيضاً على ضرورة دعم الجهود الدولية لإعمار غزة ومحو آثار الحرب وهو تقريباً نفس الموقف الذي تتبناه الأردن ليجد ترامب نفسه أمام موقف موحد للدولتين قد يتعزز خلال القمة العربية المرتقبة قبل نهاية الشهر.
اليوم نجد أنفسنا أمام لاءات تاريخية لم نتعود على إعلانها ونعتقد في صلابة التمسك بها ونظنّ أن حالة الاستكانة والحياد السلبي أمام هرطقات الحاكم الجديد للبيت الأبيض لن تدوم كثيراً وستصطدم بقراءة أكثر موضوعية وإن اتسمت بالبراغماتية فإنه لا يغيب عنها وجاهة الموقف ومبدئيته.