ناريمان الناشف
منذ بدء العام وأنا أحاول ترتيب غرفتي… رتبت الأغراض بعناية جمعت زجاجات عطوري الفارغة وأضفتها إلى سابقاتها مع مجموعتي الكبيرة من الأقلام الجافة التي لطالما عزفت عن التخلص منها وألقيتها في درجٍ يفوح بالفراغات. كانت أشيائي كومة من بقايا، فغالباً ما كانت نفسي تصنع علاقة طيبة مع الجماد. نظّمت كتبي التي عانت مؤخراً من فوضى عارمة. رتبت ثيابي التي تتعارك عند كل صباح لتحظى برحلة شاقة فوق جسدٍ منهك، وتظن أنها تنافس بجدارة، لكن سرعان ما تعود الى رفيقاتها مخذولة الوشاح كونها لم تعش إلا يوماً متعِباً وكثيراً من الكفاح. أمّا أدوات التّبرّج فتنتظر دورها بحرارة لتعود الى ديارها الآمنة، فقد ملّت الغبار والبرودة تعبت من أن تُحشر في حقيبة مظلمة كأنها في قطارٍ مزدحم بغير شبيهاتها. ومررت على دفاتري القديمة التي احتفت بلمسة أصابعي، شعور غريب داخلني عندما مسحت عنها غبارها شعرت كأنها تبتسم وتشكرني رغم عدم تجاوبها. لم أدرك إن كانت فعلاً قد ابتسمت أم أنها فقط تحرّكت شاكرة، لكني أدرك تماماً أن نبضي قد تحرك عندما تنشّقت غبار دفاتري التي تحمل نفسي السابقة، ذاتي التي أضعتها في معركة الحياة، روحي التي تناسيتها وانا أحارب اليوميات.
أشتاقها… أشتاقها كثيراً وأبحث عنها دوماً، أبحث عن نفسي القديمة في كل زاوية أحاول أن أعيد أثرها الذي يلاحقني طيفه على مرّ النّبضات هي روحي… روحي التي تركن في محطة انتظار، تراقب حياتي التي لم تكن تطمح لمثلها، تحمل حقيبتها وتجلس أمام قطار العمر لا أدري إن كانت ستغادر هي أيضاً أم أنها ستعود لتحمل بي من جديد الى عمق أحلامي…
أحلامي… هذه الكلمة المضحكة التي باتت معلقة على جدار غرفتي في إطار خشبي تتأملني وتبتسم كل ليلةٍ. رتبت فرشاة شعري وأحذيتي، نفضت سريري فغصّ الجوّ بالغبار، مسحت زجاج مرآتي فتراءى لي فيها شخص غريب الملامح عيونه ترتسم بين تجاعيد الزمن، شاحب اللون حزين التعابير أظن أني أعرفه… أعرف بعض ملامحه لكنه تغيّر… تغير كثيراً بات أكثر قسوة وأقل قلقاً، بعدها نظمت كل ما في الغرفة رتبت كل شيئ بدقة… إلا داخلي لم استطع ترتيب ضجيج أفكاري رغم المحاولة. لم يسبق لي يوماً أن فشلت في تنظيم روحي لكنها اليوم لم تعد تنتظر مني المبادرة، أصبحت تتشبّث دوماً بندوبي وبقعي الزرقاء فتماهيت مع عاداتي السيئة كالوباء.