رنا فرح
في أفقٍ واسع يتسع لكل جديد، يفتح اللبنانيون اليوم صفحة جديدة مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي، وتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة من أجل تنفيذ الإصلاحات المنتظرة. يبدو أن لبنان قد تجاوز أخيراً الأزمة الخطيرة التي ألقته فيها التطورات الإقليمية والحروب المتلاحقة. ومع ذلك، وبعد سنوات من الصراع المستمر، نجد أنفسنا اليوم في مفترق طرق. أمام لبنان فرصة جديدة للانتقال من مرحلة الصمود Resilience التي أصبحت سمة ثقافية في البلاد، إلى مرحلة الأمل التي تفتح أمامنا آفاق التغيير السياسي والاقتصادي.
التحديات المستمرة
على رغم الأمل في المستقبل، فإن التحديات التي يواجهها لبنان لا تزال قائمة. الواقع الذي نعيشه اليوم لا ينبئ بقرب نهاية هذا الدوران في دوامة الأزمات. فالمجتمع اللبناني استمر في امتصاص الأزمات واحدة تلو الأخرى دون القدرة على التخلص منها بشكل جذري. ورغم هذه الأزمات المتكررة، يظل لبنان في حاجة إلى إصلاحات جذرية على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
في دراسته بعنوان "المقاومة المدهشة لدولة متعددة الطوائف"، l ‘etonnante resistance d un pays pluricommunautaire يشير جورج قرم إلى أن لبنان هو انعكاس للتنوع الثقافي والسياسي العالمي، ولكنه أيضاً يعكس التناقضات والصراعات الداخلية التي يعاني منها. الأزمات التي تهز لبنان بشكل دوري كانت دائماً مؤشرات لأزمات أوسع، ترتبط بتغيرات في الأيديولوجيات والحساسيات السياسية على مستوى العالم.
جهود الإصلاح والتغيير
يؤكد جورج قرم أن شفاء لبنان من الأزمات التي مر بها منذ عام 1840 يتطلب جهوداً كبيرة. هذه الجهود لا تقتصر على إعادة بناء الدولة فحسب، بل تتعداها إلى مواجهة التحديات الجيوسياسية التي تقف في وجه تقدم لبنان. ويتطلب ذلك شجاعة كبيرة لتخطي الصور النمطية التي هيمنت على الفكر اللبناني لسنوات، وللتخلص من "اللغة الخشبية" التي تؤخر التغيير.
من أبرز القضايا التي يجب أن يتأمل فيها اللبنانيون بعيداً من الأحكام المسبقة والعواطف الأيديولوجية، هي: أين يقف لبنان في الساحة الإقليمية؟ كيف يمكن التوفيق بين الحساسيات السياسية المتناقضة؟ وكيف يمكن تحويل لبنان إلى دولة ذات سيادة كاملة وقوة اقتصادية؟
التحديات الجيوسياسية والفرص المستقبلية
هذه الأسئلة تمثل جوهر التحديات التي على لبنان مواجهتها. صحيح أن الخيارات صعبة، لكن أليس الاختيار هو الطريق الأمثل بدءاً من الاستمرار في حالة العجز عن تحديد سياسة واضحة؟ أليس من الأفضل للبنان أن يتحرر من التخبط بين تيارات القوى الجيوسياسية الكبرى، وأن يسعى الى بناء مستقبله السياسي والاقتصادي الخاص؟
المرحلة المقبلة تتطلب من اللبنانيين اتخاذ قرارات جريئة. يجب الخروج من الدائرة المفرغة لوضع الدولة العازلة، والتركيز على بناء دولة ذات سيادة قوية ومستقلة. لبنان يجب أن يرفض أن يبقى مجرد "état mou et peuple éponge " يحيث يتنقل الشعب من أزمة إلى أزمة، وتستمر الدولة في امتصاص التحديات من دون أن تجد لها حلولًا حقيقية.
لبنان في حاجة إلى إرادة جماعية، "General collective will" تساهم في إعادة بناء الدولة والمجتمع معاً، وتضع الأسس لمستقبل أكثر استقراراً وتقدماً.