سعد نسيب عطاالله
لا غرابة أن تزداد الأعذار والإعتذارات على المنصات الإلكترونية المستحدثة، التي يتكاثر تحورها، يوماً بعد يوم، أكثر من تكاثر وباء كورونا وتحوّره، في بلد ينخره الفساد، والجهل، والإستبداد، حتى عصب العظم!
لقد أصبحت "موضة" المنصات الإلكترونية من شيم المؤسسات العامة "اللامؤسساتية"، غطاء لعدم كفاءة المسؤولين غير المسؤولين، وطلاء تكنولوجياً معاصراً للتعتيم على تقصيرهم الإداري واللوجيستي في إدارة شؤون الناس اليومية الأساسية، خصوصاً خلال فترة الاقفال العام، المفتوحة خروق أذوناته ونوافذها على مصراعيها، من جانب عناصر الأجهزة الأمنية، تحديداً، وسواهم من أفراد القطاعات العامة.
يستدعي الحصول على إذن تنقل الناس غير المستثناة، ملء استمارة تطبيق إلكتروني محددة، لا يسهل تنفيذها من كثيرين لا معرفة لهم بالتكنولوجيا، ويتطلب تكرار إعادة ملئها أحيانا، مما يتسبب بالحؤول دون الحصول على الموافقة مرات عديدة، فيضطر المرء إلى الإحتباس الذاتي في الأسر الإختباري، في منزله، شاتماً الدولة ومؤسساتها، وكل من أعطى التكنولوجيا للأنظمة الاستبدادية الفاسدة والمتخلفة!
الأنكى من كل ذلك، هو وصول رسالة نصية على هاتف الفرد الجوال، نصها التالي: ( لخدمتكم بشكل أفضل نقوم بتحديث المنصة. الرجاء المحاولة لاحقاً. الزموا منازلكم والتزموا التدابير الوقائية إلى حين عودة العمل على النظام لتقديم طلب تنقل.
شكراً لتعاونكم).
يا لهذا التعاون الذي برر تقصير السلطة وتطبيقاتها الجائرة، وتسبب بمنع المرء من إنجازه ضرورات حياته اليومية الأساسية المعيشية.
عندما يحصل المرء على إذن التنقل، تبدأ مرحلة "الولادة القيصرية" مع مفتاح محرك السيارة والإنطلاق في سباق مع العد العكسي للوقت الممنوح. فينزل المرء إلى الطريق العام، ويطلق العنان لدواليب السيارة، بطريقة لم يألفها من قبل، لأنه كان يتمتع بالوقت المفتوح لإنجاز أعماله.
لا يشاهد السائق على الطرق العامة سوى "صواريخ برية" من شأنها أن تتصادم وتتحطم وتقضي على سائقيها، وذلك من أجل إتمام المهمة الشخصية ضمن الفترة الزمنية القصيرة "القاتلة".
يحصل تسجيل مخالفات سير متنوعة، تدخل على الخزينة العامة أموالاً "حرام"، تفرضها الطغمة الحاكمة الجاهلة، على شعب عاطل عن العمل، يشحذ لقمة عيشه، قرشاً قرشاً، حتى يعيل عائلات تفتقد الى أبسط مكونات سبل العيش.
يتضرع المرء إلى ربه شاكراً عند عودته سالماً الى منزله، تلك السلامة المفقودة في لبنان: معيشياً، وصحياً، وتربوياً، واجتماعياً، ووبائياً، وأمنياً ووجودياً.
عجبي، كيف لا تضع طغمة السلطة منصات للرشوات، والصرافين، وحركة المصارف، ومنصات لأعمال الفاسدين الكبار، من أجل متابعة فسادهم ومراقبته، وإفسادهم، واختلاساتهم، و منصات عامة عديدة سواها حتى يصلح البلد، هذا البلد "المغارة" الذي يتحكم به من يستحقون المقاصل، والمشانق، والسيوف المسلولة على نحورهم!