البنك المركزي يثبت أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية كافة نفاع يهنئ غوشة بفوزه بمنصب نقيب المهندسين العفيشات يهنئ النسيب د. علي الخبايبة بالمولودة "آمنة" الدكتورة خالدة العساف .. الف مبارك هل تجاوزتِ الخمسين؟... هكذا تحمين نفسك من التوتر المزمن الربيع ليس أزهاراً وخضرة فقط... إحذروا فيروساته! إيصالات الشراء خطيرة على الصحة... كيف؟ أثر جانبي تجهلونه لشاي ماتشا! صقر أبو فخر والحرب الأهلية اللبنانية: تاريخ مختلف كتاب سياسي للجزائري الفرنسي كمال داود: "من أنصار التعدد والاختلاف" معرض في متحف نابو يدعونا كي نتعلم من التاريخ أرشيف الفاتيكان... حيث يتمركز التاريخ رئيس «مايكروسوفت» يدعو لاستلهام نموذج أبوظبي المتقدم في الذكاء الاصطناعي توقعات فصلية ضعيفة من شركة "أرم" مع إضافات مميّزة... إليكم موعد إصدار "GTA 6" أداة ذكاء اصطناعي تحدد العمر البيولوجي رئيسة "إنستاكارت" تنضم إلى مجلس إدارة "أوبن إيه آي" في دور محوري خدعة "مرحباً أمي"... القناع الجديد لسرقة أموالك عبر "واتساب" الشيخة موزة تُغيّر أسلوب التوربان في إطلالتها الجديدة للوك عصري نجوى كرم بتصاميم خالدة
+
أأ
-

كيف تحول صمود النساء إلى احتراق النفسي؟

{title}
صوت جرش الإخباري


في خيمةٍ صغيرة مهترئة في منطقة القرارة جنوب قطاع غزة، تجلس منى أحمد (28 عامًا) على حصيرة بالية، تُعيل طفلَيها يوسف وسالي بعد استشهاد زوجها، تقول وعيناها الغائرتان تحكيان قصة معاناة شهور طويلة من النزوح والفقد: "أحاول أن أبدو قوية أمامهم وأخفف وجع الفقد عليهم لكنّي أتألم أكثر منهم".

فقدَت هذه السيدة زوجها في قصفٍ إسرائيلي جرّاء الحرب الحالية، وأصبحت تُواجه مصيرًا قاسيًا بين نقص الغذاء والمساعدات وضنك المعيشة البدائية في الخيام، لكنّها في الوقت نفسه تبدو كنحلة لا تهدأ طوال اليوم، تردف: "يبدأ يومي قبل الفجر، ولا تنتهي مهامي حتى الليل، لا أذكر أنني قلت تعبت مرة، لم تهبنا الحياة فرصة للحزن والبكاء".

تشعر منى التي تلعب عدّة أدوار في حياة أبنائها، بالخجل و"العيب" عندما تعترف بالإجهاد والإرهاق، وترى في ذلك ترف لا تمتلكه، وتخلّي عن مهمتها السامية حتى لو كان على حساب صحتها الجسدية والنفسية. "لم أتذوق طعم الراحة منذ زمن" تُعقب، كأنّ التعب والمعاناة أصبحا جزءًا من هويتها الشخصية في بيئةٍ مليئة بالصدمات والصراعات المستمرة.

هذه الحالة ليست استثناءً في هذا الصمود المجبَر. فهناك أكثر مليون امرأة في قطاع غزة يعشن ظروفًا مشابهة، وبفعل الحرب أصبحن جزءًا من دائرة لا تنتهي من الصبر والتحمُّل، وسط حياة مليئة بالتحدّيات والمخاطر اليومية.

المختصة النفسية والاجتماعية عروب جملة تقول إنَّ النساء في قطاع غزة لم يكونوا بحاجة إلى أدوار بطولية إضافية، لكن الحرب فرضت عليهن أعباءً تفوق طاقتهن. إذ تُشير إحصاءات واردة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى ارتفاع معدّل الفقر بين الأسر التي ترأسها نساء في قطاع غزة 52.2%.

وأمام التقارير التي تُشير إلى أنّ معدلات التفكير في الانتحار بين النساء في غزة مرتفعة، تتساءل عروب جملة "هل نحن أمام صمود أم استنزاف؟" خاصّة عندما تضطر النساء لتحمل الأعباء المزدوجة: فقدان الأمان، وإدارة الأسرة، وأحيانًا العمل خارج المنزل في ظلّ الظروف المتدهورة.

على الرغم من أنّ المرأة في نظر المجتمع، تمثل صورة البطولة والصمود، فإنّ المعطيات النفسية تُشير إلى أنّ هذا الصمود أصبح عبئًا نفسيًا ثقيلًا على عاتقها، ففي ظلّ النزوح الجماعي والفقر المُدقع، تحمل النساء في غزة أدوارًا متعددة لا حصر لها. في المقابل، تتراكم الضغوط على هؤلاء النساء، حيث يُنظر إليهن في كثير من الأحيان على أنّ صبرهن وقوتهن هو مقياس لقيمتهن، سواء في الأسرة أو المجتمع.

ولكن ماذا يحدث عندما لا تستطيع هذه النساء تَحمُل المزيد؟ ماذا يحدث عندما تتراكم الضغوط النفسية من قلق مستمر على الأطفال، وصعوبة تأمين قوتهم اليومي، وانقطاع الكهرباء والوقود وشُح المياه؟ هل أصبح الصمود بلا حدود، وعلى حساب الصحّة النفسية والعاطفية؟

تقول زهرة حسنين (29 عامًا)، وهي أم لثلاثة أطفال، وزوجها مُتعطّل عن العمل بعدما بُترت قدمه في قصفٍ إسرائيلي، "أخاف على أبنائي جدًا حتى أصوات القذائف البعيدة تُربكني. وأُجبر على التظاهر بالقوة، لكنني منهكة".

تُردف السيدة بابتسامةٍ مريرة، "إصابة زوجي غيّرت حياتي كليًّا، أشعر أنني أحترق من الداخل، وتمرّ أيام طويلة لا أرغب برؤية أحدّ لكنني مضطرة للخروج وتعبئة جالونات المياه وجمع الحطب والبحث عن الطعام لأطفالي، وإشعال النار وإعداد الأكل".

وتعاني حسنين من أرق شديد يُصاحبها لساعاتٍ طويلة، وكثيرًا ما تُردد: "أشعر بعدم رغبتي بمواصلة الحياة" نتيجة شعور دائم بالعجز عن توفير احتياجات أبنائها، تقول: "الأطفال ينامون جوعى وأنا لا أعرف كيف أتدبر طعامهم في الغد"، ويُظهِر برنامج الأغذية العالمي، أنّ 58% من نساء غزة يُعانين انعدام الأمن الغذائي، ما يضطرهن لابتكار طرق غير تقليدية لإطعام أطفالهن.

تقول جملة إن النساء اللواتي تحمّلن هذا العبء الاجتماعي والنفسي أصبحوا أكثر عرضة للاكتئاب والقلق، نتيجة للحرب المستمرة، وتُرجِع الأسباب وراء ذلك إلى فقدانهن مجالات الدعم الاجتماعي، والاقتصادي، والنفسي في كثير من الأحيان، بسبب النزوح وتدمير شبكات الدعم المعتادة.

هالة جمال (42 عامًا) وهي ممرضة في أحد مستشفيات مدينة غزة، تقول: "أعمل 18 ساعة يوميًا في المستشفى بينما أطفالي تحت القصف. المجتمع يرى بطولة، لكنني على حافة الانهيار". تُضيف بصوتٍ مُجهد: "هذا الأمر يُرهقني جدًا لا أستطيع أن أكون معهم، وفي نفس الوقت لا أستطيع التخلي عن عملي".

قد تكون النساء في غزة قد تمكّن من تجسيد صورة "المرأة القوية"، ولكن تلك الصورة، بحسب الخبراء، تتسبب في تحويل احتياجاتهن إلى صراعات داخلية. إذ لا تجرؤ الكثير من النساء على التعبير عن احتياجاتهن الأساسية، مثل الحاجة إلى الراحة النفسية أو الرعاية الطبية الكافية. بدلاً من ذلك، يُتوقع منهن أن يكونوا مصدر قوة لا ينضب، دون أن يُسمح لهن بالراحة أو التراجع. 

تقول مختصة الصحة النفسية: "مطلوب من المرأة أن تكون دائمًا متماسكة، وقوية، ومتماسكة، ولكن الحقيقة هي أن هذه الضغوط تستهلك كل طاقاتها النفسية"، وتشير إلى أنّ الدماغ يتكيف مع التوتر المزمن، مما يجعل الراحة شعورًا غريبًا. تضيف: "النساء في غزة يعانين من إرهاق الجهاز العصبي بسبب القصف المستمر ونقص الغذاء".  

في ضوء هذه التحديات، أصبح من الضروري أن يتغير الخطاب المجتمعي حول المرأة في غزة. لا يجب أن يتم تقييم المرأة فقط بناءً على قدرتها على التحمل والصمود، بل يجب الاعتراف أيضًا بحقها في الراحة النفسية. 

ويفيد مختصون أنّ النساء في غزة بحاجة إلى برامج دعم نفسي وتدريب على كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية والنفسية، والتوقف عن النظر إليهن كأبطال بلا نهاية، إذ إن نسبة المستفيدات من برامج الدعم النفسي العاجلة لا تتجاوز 10% حاليًا، وضرورة تمويل مشاريع إغاثة مخصصة للصحة النفسية والتي لا تحصل إلا على 2% من التمويل الإنساني.

إذا كانت الحرب قد صنعت صورة جديدة للمرأة الغزية كرمز للثبات والصمود، فإن المهم الآن هو إفساح المجال لهذه المرأة للتعبير عن احتياجاتها النفسية، والحصول على الدعم اللازم، وتغيير السردية المجتمعية كسر ارتباط "قيمة المرأة" بمدى معاناتها.  

من الضروري أن تبدأ المنظمات الدولية والمحلية في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء في غزة، والعمل على تعزيز رفاهيتهن النفسية بعيدًا عن عبء "الصمود". هذا الدعم يجب أن يشمل ليس فقط توفير الموارد، ولكن أيضًا تغيير المفاهيم السائدة حول قوة المرأة، بحيث يُعاد الاعتراف بحقها في أن تكون ضعيفة في بعض الأحيان، وأن تكون مرنة بما يكفي لتعيش حياتها بشكل طبيعي دون شعور مستمر بالضغط.