عمّار الحيدري
كأنّ واقعنا كلبنانيين يجبرنا على الانقسام العامودي في كلّ مفترق نخيّر به وكأنّنا تعوّدنا على أن نسيّر في قرارتنا ومصيرنا بوصاية خارجية أو ضمن متاهة دهاليز السياسة الداخلية التي تجرنا في كلّ استحقاق لحبس الأنفاس على خلفيات التناتش السياسي الحاصل في البلاد والذي كلّفنا ما كلّفنا في السابق من تكاليف باهظة في الأرواح والممتلكات من جهة وفي الاقتصاد والأمن من جهة أخرى.
لسنا دمى بيد أحد... ولسنا كبش محرقة أو مكسر عصا لأحد، وليست دماؤنا مستباحة ورخيصة لنكون أضاحيَ لأجل أجندات خارجية وإقليمية وداخلية.
ما حصل في الأمس في جنوب لبنان من تضحيات غالية ترفع بها الهامات وتسطّر ملحمة بطولية تاريخية في تاريخ الأوطان وفي سجلّ الصراع المزمن مع كيان غاشم غاصب متغطرس لا يعترف بقوانين، ويضرب عرض الحائط بكل الأعراف والمبادئ والحقوق.
ما حصل في الأمس في الجنوب من تلاحم وطنيّ بين جيش وشعب، كرّس قاعدة جديدة في ميزان التصدّي والصمود في كيفية تحرير الأرض والنفس من تكريس المصالح الضيّقة للطائفة أوالمنطقة لتحويلها لأبهى صورة وطنية جامعة ترسم صورة حقيقية لأبناء وطن واحد لطالما تغنينا به في كلام دون فعل نراه على أرض الواقع.
إنّ حقّ الشعوب في تحرير أرضها وتقرير مصيرها لهو حقّ مكتسب ومقدّس وليس منّة من أحد أو حقّ مجتزأ ينتظر إشارة ما من أميركا أو ربيبتها الكيان الغاصب المحتلّ أن يمنّوا علينا وقت ما يشاؤون بالانسحاب من أرضنا التي رويناها بدماء أبنائنا على مرّ العصور.
كم كنّا نعيش اللحظات في صراع مشاعر مختلف ومختلط في إنٍ واحد، شعبٌ أعزل يواجه جنودَ ودباباتِ العدو بثبات أسطوريّ منقطع النظير من جهة، ومن جهة أخرى تغطرس ووحشية عدو لا يعرف حرمات ولا كرامات ولا مواثيق أو اتفاقيات كانت نتيجتها إطلاق النار على المواطنين العزّل أصحاب الأرض ليرتقي حوالي 11 شهيداً سعيداً و125 جريحاً، ولطالما تعوّدنا على هذا الغاصب عدم التزامه وإفائه بأيّ عهد عبر تاريخهم على مدى الأزمان.
مقابل هذه التضحيات الغالية في جنوب لبنان، كانت تحضّر في مكانٍ آخر مسيّرات عرمرمية تناقض هذا الإنجاز الوطنيّ البطوليّ لا بل التاريخيّ الأسطوريّ في الجنوب، كانت مسيّرات غوغائية طائفية بظاهرها مسيّرات فرح بنصر جنوبي ولكن بطيّها كانت تشير إلى دسّ السمّ في العسل اللبناني عبر اختراق مناطق معيّنة المقصود منها إثارت النعرات الطائفية والمناطقية، ما أعاد لنا في الأذهان حادثة الطيونة – عين الرمانة المشؤومة، والتي كانت نتيجتها سقوط أبرياء لا ناقة لهم سوى أنّهم مواطنون بدرجة قرابين على مذبح وطن مرتهن لحفنة من الأوباش والمرتزقة، التي لا تريد لهذا الوطن أن يعود إلى سابق عهده درّة الشرق ومكان آمان لأبنائه بكلّ أطيافهم وتنوّعهم، الذي يزيد لبنان غنى وقيمة وليس العكس.
في مستهل العهد الجديد الذي نحمل له في أنفسنا كلبنانيين كلّ تفاؤل واحتضان شعبي وطني جامع بشخص فخامة القائد الرئيس جوزاف عون، الذي أثبت عن جدارة وحنكة إدارته لمؤسسة الشرف والتضحية والوفاء (الجيش اللبناني) خلال ثماني سنوات كرّس فيها مكانة له ولجيشنا (المضحّي والضحية في آن) كلّ احترام وتقدير، ولدولة الرئيس المكلّف القاضي نوّاف سلام الذي يعوّل عليه الكثير الكثير من الآمال والتطلّعات للخروج من النفق المظلم لمستقبل النور الذي لطالما كنا كواطنين وكلبنانيين نستحق بعد سنوات من المعانات والحروب، أن نتنفس الصعداء قليلاً لنعيد لهذا الوطن شيئاً من حقه المسلوب المصلوب على صليب تخاذلنا وتشتتنا بتقاطع مصالحنا الخاصة الطائفية والمذهبية التي كانت ولا زالت سيفاً مسلطاً على رقاب العباد ومستقبل البلاد.
نحنُ كلبنانيين (غير حزبيين أو طائفيين) نريد وطناً واحداً موحّداً جامعاً لكلّ أبناء هذا الوطن بكافة أطيافهم وتنوّعهم، ولا نريد أن نكون مرتهنين بتابعية أو ولاء لأيّ فرد أو جماعة أو فئة أو طائفة أو منطقة ما، غير انتمائنا الوطني للبنان، نحنُ لبنانيّون بالمواطنة الأصلية طبقاً لإحصاء 1932 ولبنانيون الهوية والهوى والهوس إن صحّ التعبير منذ عشرات السنوات وعشرات المحن وعشرات الحروب، أما آن لهذا الفجر أن ينبلج، لا نريد وطناً بديلاً سوى لبناننا هذا،فنحنُ لسان حالنا كفيروز (كيف ما كنت بحبك) تا تخلص الدني.
عشتم وعاش لبنان.