جوسلين مراد
ما أتعس أولئك الذين وضعوا لأرواحهم الإلهية شريعة عالمية محدودة،
وأقاموا لميولهم قبراً عميقاً مظلماً.
ما أعمى الذين يتوهمون أن المحبة تحتاج الى عشر سنوات طويلة
ولقاءات عديدة حتى تتكون، وشيدوا لعواطفهم سجوناً ضيقة دون نوافذ.
ما أقسى أن يعيش الإنسان فقط مع ما يعرف ويتذكر،
محروماً مما يرجو ويتأمل...
فالذكريات التي ندفنها في الكتمان، هي نفسها التي لا تكفّ عن مطاردتنا أبداً.
تطاردنا في مكان يظنه الناس خالياً، لكنه يضج بالغائبين.
ما أجهل الذين يسرقون مجهود غيرهم باستخفاف،
فهم كمن أصاب ميراث لعنة في صندوق مقفل.
ما أغبى الذين يظنون أن الشجرة تسقط من ضربات الفأس،
لا من مقبض الفأس المصنوع من الخشب.
فمن يطرق باب بيتك ليس كمن يطرق باب قلبك.
ومن يقطف وردة من بستانك ليس كمن يقطف وردة عمرك.
ما أشقى الأيام وهي تخاصم بعضها،
وهي في خصامها كمن يراقب الأقوال الخفية تتعارك في السكينة،
وعندما تفتك الأقوال ببعضها البعض، تنطق الحياة.
وهي إن نطقت، إما لتسبح العامل الدؤوب، وإما لتلعن السارق الكسول.
ومن تلعنه الحياة سترميه، كما ترمي أشجار الخريف أوراقها اليابسة
فتدوسها الأقدام بخفة، وتطحنها بقسوة.
منذ البدء والحسّاد السارقون يصارعون قوانا اللينة بضعفهم الخشن،
يغلبوننا ساعة فيصيحون كالضفادع، ونغلبهم دهراً ونظل صامتين كالجبابرة.
هم يسكنون في بيت الجهالة الخالي من مرآة يرون فيها قبح وجوههم
وتحجر قلوبهم وانسداد آذانهم وظلمة ضمائرهم.
فغشاء الجهل الكثيف الذي حاكته الأجيال الطويلة على أبصارهم،
وسدت به آذانهم، لن تمزقه الأيادي النظيفة والناعمة في برهة.
هم عبيد الغباوة والغباوة أشد اسوداداً من ظلمة القبر،
وأكثر استسلاماً للجهل وأكثر اتباعاً للعناصر العمياء.
فالسارقون أموات منذ ولادتهم ولكنهم لم يجدوا من يدفنهم بعد..
هم يسيرون ورائحة النتن تنبعث منهم.
ننظر إلى وجوههم فلا نرى سوى أشباح شاحبة مخيفة
ترتعد منها الأبدان وتشمئز منها العجائز.
فهل نقدر أن نحول بصائرهم عن الجماجم والأشواك إلى النور والحق؟
هل باستطاعتنا أن نبدل توقهم الى السلب وعطشهم الى المستنقعات الى أجنحة وأحلام؟
شرور الحياة وخصومة الأيام من جبلة أيديهم، وأيديهم قذرة بجرائم أفعالهم،
وجرائم أفعالهم أسيرة الغلائل الثقيلة التي لطختها مآتيهم الآثمة.
السارقون يمضون كتاجر خسر صفقته مع الحياة وجعل يندب حظه ليلاً ونهاراً.
هم اللصوص المتربصون ينظرون إلى الحرية من وراء قضبان سوداء،
يرصدون الفخاخ ويحيكون المكائد لإيقاع فريستهم، فترمقهم الحياة بنظرة استنكار
وكصنم تريد تحطيمه بمطرقة القدر.
هذا هو المصير الذي أعدته لهم وهذا النضج الذي ارتدته الحياة،
لم تلبسها إياه أيامها ولياليها كهدية، لقد نسجته من تجاربها القاسية.
نحن وضعنا في أبحاثنا وفي أعمالنا، ما وضعه الله في نفوسنا
وحولنا أنظارنا إلى الشمس، وسارقو الأبحاث لا يرفعون أنظارهم عن التراب.
لكن اطمئن يا قلبي، لن تهنأ النفوس السارقة التي تعيش على أذية غيرها،
لأنهم سيرون لعنة الحياة في عقوق مراميهم، وفي أمنياتهم المهزومة،
وفي غدر أقربائهم، وفي فراق أحبائهم، وفي دعائهم الذي لا يستجاب.
سيرون لعنة الحياة في كل أحلامهم المحطمة، وفي عافيتهم، وفي فشلهم.
وفي كيانهم الضعيف المتراخي، وفي أغلى ما يملكونه. الويل للسارق!