في مجموعتها القصصية الجديدة الموسومة بعنوان (أرصفة التعب)، تتابع الكاتبة هند يوسف خضر، تجربتها السردية المفتوحة على نصوص تتعالق بثيمة الحب، الثيمة التي ستتبدى في جلِّ قصصها المكثفة والمتطيرة من بلاغتها الخارجية إلى بلاغة الحالة والموقف والدلالة التي تتوسلها، ذلك أن العنوان (أرصفة التعب) هو عنوان مجازي ستأتلف به نصوص ولوحات بإيقاعات مختلفة، وصوغ يأخذ من اللغة إشراقاتها ليدلف إلى فضاءات اجتماعية تحاكي مصائر وعلاقات اجتماعية ذات طابع إنساني، فضلاً على أن الكاتبة تستثمر في بعض عناوينها بعض تقنيات التواصل الاجتماعي، من مثل (جاري الكتابة، متصل الآن، آخر ظهور)، لتدلل على واقعية حدثها، بالرغم من تخييل طفيف يشوب نصوصها القصصية، لا تتعين النصوص بحيازة مقومات القصة بحذافيرها، بقدر ما تؤسس الكاتبة لمشهديات وأطياف إنسانية تعلل بها نوازع إنسانية وحالات سيكولوجية أقرب إلى تحليل الشخصيات وتناقضاتها، واحتدام أحلامها المنكسرة بفعل مفارقات اجتماعية وواقعية، فهي التي تسعى دائماً إلى التقاط لحظات اجتماعية لتضمنها قولاً قصصياً مفتوحاً، على الرغم من ندرة شخصياتها، وعلو كعب صوت الأنثى بصورها المتعددة، حالمة أو مكسورة أو خائبة، وهكذا تنتظم في متون نصوصها الأقرب إلى أن تكون مفتوحة، تلك الالتقاطات اللماحة التي تستجيب لعصفها اللغوي والذهني، ما يعني هنا أكثر من حالة تجريبية مع اللغة المشرقة والموظفة في رسم شخصياتها وسيكلوجية أعماقها وردود أفعالها، مع إحباطات واقعها وانكسار دفء أحلامها، وتوقها إلى أن تتمثل أحلامها المشرعة، وصبواتها المتقدة، تتحدث مثلاً في نص بعنوان (أنثى بنكهة الحياة) عن «شاب في مقتبل العمر لطالما رسم بأصابع راجفة على أوراق الزمان، وجه حلم بلون البنفسج بطعم اللهفة، علق أمانيه على حبال الهواء، وانتظر ولادة الربيع من رحم الشتاء».
في مقابل أنثى صاحبة ملامح شرقية ليكتشف بطلها -وسام- حالة الوقوع في الحب، لكن المفارقة هنا أنهما لم يتزوجا، بل تبعثرت تلك المشاعر إثر زواجها وإنجابها طفلة، ليكمل وسام حياته على بقايا أنفاسها التي علقت منذ زمن على جدران رئتيه، إلى أن جاءه خبر انفصالها عن زوجها، إذ يحيلنا الحوار القصير بين وسام وشغف، عن دور القدر الذي غرس الحسرة في أفئدتهما، ليظل الأمل لدى وسام بأن ينصف القدر حبهما ويكملا معاً المشوار.
وتستمر الكاتبة في التقاط إيقاعات الزمن، لدى ـ منى ـ شخصيتها القصصية خريجة كلية الآداب والتي تمارس عملها كمعلمة تزوجت من ـ محمود - بشكل تقليدي بعد أن خاضت تجربة فاشلة في مقتبل عمرها، تعود الكاتبة هنا إلى مثنوية العلاقة بين الرجل والمرأة، لكن في فضاء تقليدي، عن زواج ينتظر الحب في المستقبل، لتعود مواجهة خياراتها المفتوحة بالبحث عن ذلك الحب الغائب.
وهكذا تتواتر قصصها على نحو يشي باستبطان الأبعاد الإنسانية لشخصيات نسوية، وذكورية لا سيما في مواجهة أقدارها وأحلامها، بحثاً عن حياة مسروقة من جحيم الواقع الاجتماعي، والقدرة على تحدي ذلك الواقع ومتعالياته، فضلاً على تنويعها على ثيمة الحب بمقاربة الحرب وانعكاساتها على مصائر البشر، في إشارة إلى الحرب على غزة، تكتب نصها القصصي (على قيد العودة) لتصور حالة استشهادية في غزة، إثر اندلاع المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي.
أرصفة التعب، تسعى إلى التقاط الشرط الإنساني، وتطييفه في مناخات إنسانية تتعالق بإيقاعات درامية، نتيجة ما ينعكس في ذات الكاتبة من واقع بعينه، لا يمكن معادلته إلا بالحلم، حلم البشر بأن يعيشوا حيواتهم أكثر انفتاحاً على ما تريده أحلامهم، لكن كتابة الحلم كما عيشه ستصبح تجربة مع اللغة ومتخيلها، فمن نص الواقع إلى نص الرؤيا تجتهد الكاتبة هند يوسف خضر، في صوغ غير معادل لتجارب ستأخذ طابعاً نسوياً على الأرجح، يعني صوت المرأة المغيب، ليس انحيازاً لها، بقدر ما هو انحياز للإنسان، ليمتلك تعبيره عما يتصادى في وعيه وذاكرته، وليشكل موقفاً ما من أحداث واقعه واستبطاناً لمستقبله.
هكذا تشي متوالية نصوصها المقتصدة في حواراتها، والطافحة بصوت الساردة الضمنية، التي تمتلك كاميرتها لتغوص في تفاصيل ومحكيات ويوميات بشر واقعيين أو متخيلين، بما يكفي أن يكونوا تمثيلاً لعصرهم قصد افتراع المأثرة الوجودية والسعي في إثرها، إنتاجاً على مستوى الصورة السردية والرؤيا الحاكمة، وبوساطة لغة بسيطة حدَّ الانكشاف، وأسلوب لا يخص سوى الكاتبة وحدها، دون أن تذهب إلى تزيينات لغوية فائضة، أو غموض لا مبرر له، ولتكون نصوصها الأقرب إلى مرايا كاشفة نبض الحلم ونبض الحب ونبض نتائج الحرب.